والجواب : مرادنا من الامكان هو كون الشيء بحيث يجوز أن يستمر على ما كان عليه قبل ذلك ، ويجوز أن لا يبقى على ما كان عليه قبل ذلك. واذا ظهر مرادنا من لفظ الامكان ، زالت الشبهات المذكورة.
واذا عرفت هذا ، فنقول : بقاؤه على ما كان عليه قبل ذلك ، غير ممتنع. وعدم بقائه أيضا على ما كان عليه قبل ذلك غير ممتنع أيضا. ولما جاز الأمران ، امتنع رجحان أحدهما على الآخر ، الا لمرجح. الا أنه يبقى عليه أن يقال : لم لا يجوز أن يكون محدث الأجسام محدثا ، وان كان قديما. ولكنه جائز الوجود لذاته ، الا أن الموجود كان به أولى؟ وعند هذا نفتقر فى بيان كونه تعالى واجب الوجود لذاته ، الى الرجوع الى ما ذكرناه فى البرهان الأول.
الطريق الثانى فى تقرير هذا البرهان : أن نقول ، الأجسام محدثة ، وكل محدث فهو محتاج الى المحدث ، من غير تعرض لكون ذلك المحدث جائزا ، أو واجبا ـ وأكثر مشايخ المتكلمين كانوا معولين على هذه الطريقة ـ ثم لهؤلاء طريقان :
الأول : الذين قالوا : العلم باحتياج المحدث الى المؤثر : علم ضرورى. قالوا : والّذي يدل عليه أن كل من رأى بناء رفيعا وقصرا مشيدا ، اضطر الى العلم بأن له بانيا وصانعا ، حتى أن من جوز حدوث ذلك البناء ، لا عن فاعل وبان : كل محكوما عليه بالجنون ، فعلمنا : أن هذه المقدمة بديهية.
الثانى : الذين قالوا بأن هذه المقدمة استدلالية ـ وهم أكثر شيوخ المعتزلة ك «أبى على» و «أبى هاشم» ـ وطريقهم : هو أنهم يثبتون كون العبد موجدا لأفعال نفسه ، ثم يثبتون : أن أفعالنا انما افتقرت إلينا ، لأنها حدثت بعد أن كانت معدومة. وعند هذا يظهر