أيضا. واما أنه لا يجوز أن يكون الموصوف بالامكان هو موصوفية الماهية بالوجود ، لأن الّذي ذكرناه فى الماهية وفى الوجود ، عائد بعينه فى موصوفية الماهية بالوجود. فثبت : أن القول بامكان الوجود غير معقول سواء قلنا : الوجود عين الماهية ، أو قلنا : انه غيرها.
الحجة الثانية : انا لو فرضنا شيئا من الأشياء ممكن الوجود ، لكان ذلك الامكان ، اما أن يكون موجودا أو معدوما. لا جائز أن يكون موجودا ، للوجوه الكثيرة التى ذكرناها فى الجواب عن شبه الفلاسفة فى قدم الأجسام ، ولا جائز أن يكون معدوما ، لأن الشيء بتقدير أن يكون ممكن الوجود ، كان موصوفا فى نفسه بالامكان. وذلك الامكان رافع للامتناع ، والامتناع عدم. ورافع العدم ثبوت. فوجب أن يكون الامكان أمرا ثبوتيا. ولما كان القول بكون الشيء ممكن الوجود ، يقتضي أن يكون الامكان اما أن يكون وصفا سلبيا ، أو وصفا وجوديا. وكان القسمان باطلين ، فكان القول بكون الشيء ممكن الوجود باطلا.
الحجة الثالثة : انا اذا قلنا : الشيء يجوز أن يكون موجودا ، ويجوز أن يكون معدوما : يقتضي تقرر ذلك الشيء حال وصفه بكونه معدوما. وهذا يقتضي كون المعدوم شيئا. وأنتم لا تقولون به.
وأيضا : القائل بأن المعدوم شيء ، لا يمكنه القول بالامكان. وذلك لأن الامكان على هذا التقدير ، اما أن يكون وصفا للماهية ، أو وصفا للوجود.
لا جائز أن يكون وصفا للماهية ، لأن الماهية يستحيل عليها الانقلاب والتغير ، فلا يعقل كون الامكان وصفا لها. ولا جائز أن يكون وصفا للوجود ، لأن الوجود قبل تجدده وحدوثه ، ما كان ثابتا ولا متعينا. والامكان عندكم ثابت قبل الحدوث. واذا كان كذلك ، امتنع القول يجعل الامكان صفة للوجود.