حدث ذلك الامكان. وحدوث ذلك الامكان ليس بالفاعل. لأن كل ما كان حصوله بالفاعل ، كان ممتنع الحصول عند فرض عدم الفاعل. وصحة وجود العالم فى لا يزال ، حاصلة سواء حصل الفاعل ، أو لم يحصل. فعلمنا أنه حدثت هذه الصحة لا بالفاعل ، بل لذاته. فثبت : أن حدوث الشيء لذاته معقول.
سلمنا : أن ما ذكرتم يدل على أن كل محدث ممكن لذاته ، لكنه معارض بحجج دالة على أن القول بوجود شيء ممكن الوجود : محال.
الحجة الأولى : انا اما أن نقول : الوجود نفس الماهية ، واما أن نقول : الوجود غير الماهية. وعلى كل واحد من القولين ، فالقول بالامكان والجواز غير معقول. أما على القول بأن الوجود نفس الماهية ، فنقول : الامكان غير معقول. وذلك لأن الشيء الموصوف بالامكان هو الّذي يجوز أن يكون موجودا ، ويجوز أن يكون معدوما. والحكم بجواز الوجود والعدم على تلك الماهية ، يستدعى جواز كون تلك الماهية مقارنة للوجود ، ومقارنة للعدم. ومتى كان الأمر كذلك ، امتنع أن يقال : الوجود هو نفس الماهية. وأما على القول بأن الوجود غير الماهية ، فلأن على هذا التقدير. اما أن يكون الموصوف بالامكان هو الماهية ، أو الوجود ، أو كون الماهية موصوفة بالوجود. والكل محال. واما أنه لا يجوز أن يكون الموصوف بالامكان هو الماهية. لأن كل ما كان ممكن الثبوت ، لم يمتنع تقرره ، مع عدم ذلك الشيء. فلو قلنا : السواد يمكن أن يكون سوادا ، كان معناه : السواد يمكن أن يحكم عليه بأنه سواد. ومعلوم أن ذلك محال. لأنه يقتضي أن يكون حال كونه سوادا ، محكوما عليه بأنه غير سواد. وذلك محال. واما أنه لا يجوز أن يكون الموصوف بالامكان هو الوجود ، لأنه يرجع حاصله الى أن الوجود يمكن أن لا يكون وجودا. وهذا محال باطل