تكن ماهيته قابلة للوجود ، لما كان كذلك. فثبت : أن كل ما كان محدثا ، فان ماهيته قابلة للعدم وقابلة للوجود ، ولا معنى للممكن الا ذلك. فثبت : أن كل محدث فانه ممكن الوجود والعدم لذاته. أما أن كل ممكن فانه مفتقر الى المؤثر ، فلما مر تقريره فى البرهان الأول. وبالله التوفيق.
فان قيل : لم لا يجوز أن يقال : انه كان معدوما ، ثم انقلب فى ذلك الوقت المعين(١٧) واجبا لذاته؟ والّذي يدل على أن هذا الّذي ذكرناه : محتمل. وجوه :
الأول : ان العرض عندكم فى الوقت الثانى مستحيل البقاء. واذا كان كذلك فوجوده فى الوقت الأول جائز الوجود ، ثم ان عدمه فى الوقت الثانى واجب لذاته. فاذا عقل أن يكون عدمه بعد وجوده عدما واجبا لذاته ، بحيث يستحيل عقلا أن لا يصير معدوما. فلم لا يجوز أن يصير وجوده بعد عدمه واجبا لذاته ، بحيث يستحيل عقلا أن لا يصير موجودا؟
والثانى : وهو أن هذا الآن الّذي هو آخر الماضى ، وأول المستقبل ، كما وجد ، يمتنع بقاؤه. لأن الحاضر لا يعقل (١٨) أن يكون هو عين المستقبل. فاذن هذا الآن واجب التجدد حين حدث ، وواجب الفناء بعد ذلك. واذا عقل هذا فى الآنات ، التى هى أجزاء الزمان ، فلم لا يعقل مثله فى جميع الحوادث؟
والثالث : العالم بشرط كونه مسبوقا بالعدم سبقا زمانيا ، يمتنع حصوله فى الأزل. لأن الجمع بين النقيضين محال ، ثم فى ما لا يزال
__________________
(١٧) معينا واجبا : أ.
(١٨) يمتنع : أ.