واذا بطل القول بأن المؤثر يجب تقدمه على الأثر بالزمان. فنقول : ان عنيت بقولك المؤثر متقدم على الأثر بالذات : كون المؤثر مؤثرا فى الأثر : رجع حاصل هذا التقدم الى التأثير. فقولك : لو كان كل واحد منهما مؤثرا فى الآخر ، لكان كل واحد منهما متقدما على الآخر : مقدمة باطلة. لأن تاليها عين مقدمها من غير فرق. وليس فيها الا تبديل عبارة بعبارة. فان كان القول بكون كل واحد منهما مؤثرا فى الآخر ، معلوم البطلان بالضرورة ، لم يكن فى ذكر هذا الكلام فائدة ، ولا إليه حاجة. وان لم يكن معلوم البطلان بالضرورة ، لم يكن تغيير العبارة مفيدا البتة.
وأما ان كان المراد من قوله : المؤثر متقدم بالذات على الأثر : أمرا آخر مغايرا للتقدم بالزمان ، ومغايرا لنفس (١٣) هذا التأثير ، فذلك التقدم لا بد من إفادة تصوره ، ثم من اقامة الدليل على ثبوته. فان كل واحد من المقامين مما غفلوا عن تلخيصه وتحصيله الى الآن.
والأولى فى ابطال الدور أن يقال : المعلول مفتقر الى العلة. فلو كان كل واحد منهما معلولا للآخر ، لكان كل واحد منهما مفتقرا الى الآخر ، فكان كل واحد منهما مفتقرا الى المفتقر الى نفسه ، فيلزم كون كل واحد منهما مفتقرا الى نفسه. وذلك محال. لأن الافتقار الى الشيء اضافة بين المفتقر والمفتقر إليه ، والاضافة لا تعقل الا بين الشيئين.
فان قال قائل : الاضافيان كل واحد منهما علة لوجود الآخر ، وذلك لأنه يلزم من فرض وجود أيهما كان ، وجود الآخر قطعا. ومن فرض عدم أيهما كان ، عدم الآخر قطعا. فوجب كون كل واحد منهما علة لوجود الآخر.
__________________
(١٣) لتغير : أ.