فهذا هو الكلام فى هذه المقدمة مع أنه ليس لأحد من المتقدمين ولا من المتأخرين خوض فيها بالتقرير والاشكال وبالله التوفيق.
* * *
المقدمة الثالثة : من مقدمات برهان اثبات واجب الوجود :
نفى الدور.
والدور : هو أن يحصل موجودان ، ممكنان. ويكون كل واحد منهما علة لوجود الآخر.
ومن الناس من احتج على فساد ذلك بأن قال : المؤثر متقدم على الأثر بالذات. فلو كان كل واحد منهما مؤثرا فى الآخر ، لكان كل واحد منها متقدما بالذات على الآخر ، فكان كل واحد منهما متقدما على المتقدم على نفسه ، والمتقدم على المتقدم على الشيء متقدم على ذلك الشيء ، فيلزم كون كل واحد منهما مقدما على نفسه بمرتبتين. وذلك محال. لأنه من حيث انه متقدم يقتضي أن يكون موجودا قبل ، ومن حيث انه متأخر يقتضي أن لا يكون موجودا قبل. وهذا يقتضي أن يكون موجودا قبل ، وأن لا يكون موجودا قبل. فيلزم اجتماع العدم والوجود فى الشيء الواحد من الوجه الواحد. وهو محال.
وأعلم : أن هذه الحجة مبنية على مقدمة مشكلة. وهى اثبات التقدم الذاتى. فنقول : ليس المراد من هذا التقدم التقدم بالزمان. لأنا قد بينا فى أول هذا الكتاب : أن تقدم المؤثر على الأثر لا يجب أن يكون بالزمان ، لأن حركة الاصبع علة لحركة الخاتم. مع أن هاتين الحركتين يحصلان معا ، ولا تقدم لأحدهما على الأخرى بالزمان البتة.