وقت معين ، طلب لحدوثه علة وسببا. وذلك يدل على أن افتقار رجحان الجائز الى المرجح أمر مقرر فى بداهة العقول.
القول الثانى : ان هذه المقدمة برهانية. وأحسن ما قيل فى هذا المقام : ان الاستواء والرجحان متناقضان متنافيان ، ولما ثبت أن ماهية الممكن مقتضيه للاستواء ، فلو حصل الرجحان أيضا ، لاجتمع النقيضان وهو محال.
وعندى : أن هذه الحجة ضعيفة. لأن التناقض انما يلزم لو كانت الماهية مقتضية للاستواء أو مقتضية للرجحان أيضا. أما من يقول : الماهية مقتضية للاستواء. وأما الرجحان فانه حصل لا لعلة البتة ، لا لذاته ولا لغيره ، لم يلزم التناقض على هذا القول. والأقوى أن يقال : الممكن هو الّذي يكون العدم والوجود بالنسبة إليه على التساوى ، والشيء الّذي يكون كذلك ، امتنع أن يدخل فى الوجود ، الا بعد أن يصير وجوده راجحا على عدمه. وذلك الرجحان يجب أن يكون صفة لشيء آخر سابق على وجوده ، فيمتنع أن يكون محل ذلك الرجحان ، هو وجوده. لأن ذلك الرجحان لو كان صفة لوجوده ، لكان متأخرا عن وجوده. لكنا قد بينا أنه متقدم على وجوده. فيحصل الدور ، وهو محال فاذن ذلك الرجحان ، يجب أن يكون صفة لشيء آخر ، يلزم من وجوده. وذلك هو المؤثر. فثبت : أن كل ممكن فهو مفتقر الى المؤثر.
ويمكن تقرير هذه المقدمة بناء على قول الفلاسفة من وجه آخر : وذلك أنهم قالوا : الزمان يمتنع أن يكون له مبدأ ومنتهى. لأنا لو فرضنا للزمان أولا ، لكان عدمه سابقا على وجوده بالزمان. والسبق بالزمان لا يحصل الا مع وجود الزمان فيلزم أن يقال : الزمان كان موجودا قبل أن كان موجودا. وذلك محال.