الإحراق ، ولكن الله سبحانه ـ بقدرته ـ بردّ النار التي ألقوه فيها ، وجعلها سلاما عليه ، فلم تضره شيئا ، ولكن كيف ذلك؟ كيف عزلها الله عن التأثير في جسد إبراهيم؟ هل هو بإيجاد طبقة عازلة بينها وبين جسده ، أو بتبريد النار أو بغير ذلك؟ إننا لا نملك الجواب عن ذلك ، لكننا لا نرى ضرورة للخوض في ذلك ، لأن المسألة من مسائل الإعجاز الإلهي التي اختص الله بعلمها في ما يتمثل فيها من روابط التأثير.
(وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) في ما أرادوا اتهامه به ، ومن إصدار الحكم عليه وتنفيذه ليقتلوه ، ويحرقوه ، (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) الذين واجهوا المعجزة الإلهية بالإحباط والسقوط عند ما رأوا كيدهم من دون تأثير ولا نتيجة ، بل ربما كان ذلك موجبا لإيمان الناس بهذا الفتى الذي يتصرف بطريقة عقلانية تجلب انتباه الناس إليه وإلى كلماته ، بحيث ، لو لا قوة تأثير التقاليد على قناعاتهم ، لكان له شأن آخر في حياتهم ، فكيف تكون الحال ، وهو الآن في موقع الإنسان العجائبي الذي يحمل في اللهب الأحمر الناري سرّ المعجزة في هذه البرودة المنعشة. وهكذا يريد الله أن يعزز موقع رسوله في قلوب الناس من حوله بما يؤكده من الدفاع عنه في خط التحديات الكافرة المضادة.
* * *
تجربة النبي لوط عليهالسلام
(وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً) الذي آمن به وهاجر معه في ما حدّثنا الله به : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) [العنكبوت : ٢٦] ، (إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) وهي الأرض المقدسة ، وهي أرض الشام التي هاجر إليها إبراهيم عليهالسلام ، التي جعل الله فيها من البركة الروحية التي تمثلت بالأنبياء الذين قادوا المسيرة الرسالية بكل وعي وإيمان وإخلاص وانفتاح على الناس ، وتلك هي البركة في العمق الروحي الذي يحتوي الفكر والضمير والشعور