خفي بأنه هو الذي صنع ذلك على أساس ما يعتقدونه فيه من سر القدرة التي تخوله القيام بما يشاء ، كما يصنع الإله في حركة الحياة. فقد يفكرون بهذه الطريقة فيرجعون إلى الصنم الأكبر ليسألوه ، فلا يملك جوابا فيدفعهم ذلك إلى التفكير في الاتجاه السلبي لإعادة النظر في العقيدة الوثنية ، أو يرجعون إلى إبراهيم ليتهموه ويناقشوه ، فيكون ذلك وسيلة لإثارة الحديث معهم حول سلبيات المسألة ، أو لعلهم يرجعون إلى الله بالعبادة عند ما يكتشفون أن هذه الأصنام لا يمكن أن تكون آلهة. ولعل الأول أقرب ، لأن الظاهر أن هدف إبراهيم هو أن يوحي إليهم باتهامه في ظاهر الكلام ، ليقودهم إلى الصدمة الفكرية التي تهز قناعاتهم حول الموضوع.
وجاؤوا إلى المعبد ليمارسوا طقوس العبادة المألوفة لديهم ، واكتشفوا طبيعة الحدث ، وثارت بهم الحمية ، وأقبلوا عليه من كل مكان بعد أن شاع الخبر في الاعتداء على الآلهة ، وبدأوا يتساءلون في ما بينهم لاكتشاف المعتدي الذي تجرأ على المقدسات ، (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ) وأي ظلم أعظم من أن يسيء إنسان إلى مقام الآلهة المقدسة التي تملك حق التعظيم والاحترام على الجميع ، وتمثل الكرامة الاجتماعية للناس كلهم؟ فلا بد من اكتشافه لينال الجزاء العادل على جريمته.
(قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ) فهو الوحيد بيننا الذي يرفض عبادتها ، ويرمي الذين يعبدونها بالضلال والتخلّف ، ويسيء إليها في كلامه ونظرته إليها ، فهو المؤهّل للقيام بهذا العمل الشنيع ، وإليه يجب توجيه إصبع الاتهام.
(قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ) وأحضروه إلى الاجتماع العلني العام الذي يشهده الجميع ، (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) بما سمعوه منه ، فيحرجونه بذلك ، فيعترف بما فعله أمامهم ، فيقررون عقابه.