الإجماع على أنه لا يجوز إجراء هذا اللّفظ على ظاهره ، وعند هذا افتقر أهل الجبر والقدر إلى التأويل.
أمّا أهل الجبر فقد حملوه على أنّه ـ تعالى ـ خالق الضلال والكفر فيهم وصدّهم عن الإيمان ، وحال بينهم وبينه ، وربّما قالوا : هذا هو حقيقة اللفظ في أصل اللغة ؛ لأنّ الإضلال عبارة عن جعل الشّيء ضالّا كما أنّ الإخراج والإدخال عبارة عن جعل الشيء خارجا وداخلا. وأما المعتزلة فقالوا : التأويل من وجوه :
أحدها : قالوا : إنّ الرّجل إذا ضلّ باختياره عن حضور شيء من غير أن يكون لذلك الشّيء أثر في ضلاله فيقال لذلك الشيء : إنّه أضلّه قال تعالى في حق الأصنام : (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً) [إبراهيم : ٣٦] أي : ضلّوا بهنّ وقال : (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) [نوح : ٢٣] أي : ضلّ كثير من النّاس بهم.
وقال : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) [المائدة : ٦٤]. وقوله : (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح : ٦] أي : لم يزدهم الدّعاء إلّا فرارا.
وقال : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) [المؤمنون : ١١٠] وهم لم ينسوهم في الحقيقة ، وكانوا يذكّرونهم الله.
وقال : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٤ ـ ١٢٥].
فأخبر تعالى أنّ نزول السورة المشتملة على الشّرائع يعرّف أحوالهم.
فمنهم من يصلح عليها ؛ فيزداد بها إيمانا ، ومنهم من يفسد عليها فيزداد بها كفرا ، فأضيفت الزيادة في الإيمان ، والزيادة في الكفر إلى السّورة ؛ إذ كانوا إنّما صلحوا عند نزولها وفسدوا ، فهكذا أضيف الضّلال والهدى إلى الله تعالى ؛ إذ كان حدوثهما عند ضربه ـ تعالى ـ الأمثال لهم.
وثانيها : أنّ الإضلال هو التسمية بالضلالة ، فيقال : أضلّه إذا سماه ضالا ، وأكفر فلان فلانا إذا سمّاه كافرا ، وذهب إليه قطرب ، وكثير من المعتزلة.
ومن أهل اللغة من أنكره ، وقال : إنّما يقال : ضللته تضليلا ، إذا سمّيته ضالّا ، وكذلك فسّقته وفجّرته ، أي : سمّيته : فاسقا وفاجرا.
وأجيب عنه بأنّه حتى صيّره في نفسه ضالّا لزمه أي يصيّره محكوما عليه بالضّلال فهذا الحكم من لوازم ذلك التصيير وإطلاق اسم الملزوم على اللازم مجاز مشهور.
وثالثها : أن يكون الإضلال هو التّخلية ، وترك المنع بالقهر ، والجبر ، فيقال : أضلّه أي : خلّاه وضلاله.