والثاني باطل ؛ لأن الاتفاقيات لا تكون في وسعه ؛ فثبت الأول ، وإذا كان كذلك ثبت أن إتيانه بالمتحدى موقوف على أن يحصل في قلبه (١) قصد إليه ، فذاك (٢) القصد إن كان منه لزم التسلسل ، وهو محال ، وإن كان من الله ـ تعالى ـ فحينئذ يعود الجبر ، ويلزمه كل ما أورده علينا ، فبطل كل ما قال.
قوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) «إن» الشرطية داخلة على جملة «لم تفعلوا» و «تفعلوا» مجزوم ب «لم» ، كما تدخل «إن» الشرطية على فعل منفي ب «لا» نحو : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) [الأنفال : ٧٣] ، فيكون لم تفعلوا في محل جزم بها.
وقوله : «فاتقوا» جواب الشّرط ، ويكون قوله : (وَلَنْ تَفْعَلُوا) جملة معترضة بين الشرط وجزائه (٣).
وقال جماعة من المفسّرين : معنى الآية : وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ، [ولن تفعلوا فإن لم تفعلوا فاتقوا النّار ، وفيه نظر لا يخفى ، وإنما قال تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا(٤) وَلَنْ تَفْعَلُوا) فعبر بالفعل عن الإتيان ؛ لأن الفعل يجري مجرى الكناية ، فيعبر به عن كل فعل ، ويغني عن طول ما تكنى به.
وقال الزمخشري (٥) : «لو لم يعدل من لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل ، لاستطيع أن يقال : فإن لم تأتوا بسورة من مثله ، ولن تأتوا بسورة من مثله».
قال أبو حيان : «ولا يلزم ما قال ؛ لأنه لو قال : «فإن لم تأتوا ولن تأتوا» كان المعنى على ما ذكر ، ويكون قد حذف ذلك اختصارا ، كما حذف اختصارا مفعول «لم تفعلوا ، ولن تفعلوا» ألا [ترى](٦) أن التقدير : فإن لم تفعلوا الإتيان بسورة من مثله ، ولن تفعلوا الإتيان بسورة من مثله؟».
فإن قيل : كيف دخلت «إن» على «لم» ولا يدخل عامل على عامل (٧)؟
فالجواب : أنّ «إن» ها هنا غير عاملة في اللفظ ، ودخلت على «لم» كما تدخل على الماضي ، لأنها لا تعمل في «لم» كما لم تعمل في الماضي ، فمعنى «إن لم تفعلوا» إن تركتم الفعل.
و «لن» حرف نصف معناه نفي المستقبل ، ويختص بصيغة المضارع ك «لم» ، ولا يقتضي نفيه التّأبيد ، وليس أقلّ مدة من نفي «لا» ، ولا نونه (٨) بدلا من ألف «لا» ، ولا هو مركّبا من «لا أن» ؛ خلافا للخليل ، وزعم قوم أنها قد تجزم ، منهم أبو عبيدة ؛ وأنشدوا : [الخفيف]
__________________
(١) في ب : قبله.
(٢) في أ : هذا.
(٣) في أ : وجوابه.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر الكشاف : ١ / ١٠١.
(٦) سقط في أ.
(٧) في أ : فاعل.
(٨) في أ : كونه.