ما حذفت النون منه لوجب مطابقة الضمير جمعا كما في قوله تعالى : (كَالَّذِي خاضُوا) و «دماؤهم» ، فلما قال تعالى : (اسْتَوْقَدَ) بلفظ الإفراد تبيّن أحد الأمرين المتقدّمين : إمّا بصلة من باب وقوع المفرد موقع الجمع ؛ لأن المراد به الجنس ، أو أنه من باب ما وقع فيه من صفة لموصوف يفهم الجمع.
وقال الزمخشري ما معناه : إنّ هذه الآية مثل قوله تعالى : (كَالَّذِي خاضُوا) ، واعتل لتسويغ ذلك بأمرين.
أحدهما : أن «الذي» لما كان وصلة لوصف المعارف ناسب حذف بعضه لاستطالته ، قال : «ولذلك نهكوه بالحذف ، فحذفوا ياءه ثم كسرته ، ثم اقتصروا منه على اللّام في أسماء الفاعلين والمفعولين».
والأمر الثاني : أنّ جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون ، إنما ذلك علامة لزيادة الدّلالة ، ألا ترى أنّ سائر الموصولات لفظ الجمع والمفرد فيهن سواء؟
وهذا القول فيه نظر من وجهين :
أحدهما : أن قوله ظاهر في جعل هذه الآية من باب حذف نون «الذين» ، وفيه ما تقدّم من أنه كان ينبغي أن يطابق الضمير جمعا كما في الآية الأخرى التي نظر بها.
والوجه الثاني : أنه اعتقد كون الموصول بقيته «الذي» ، وليس كذلك ، بل «أل» الموصولة اسم موصول مستقلّ ، أي : غير مأخوذ من شيء ، على أنّ الراجح من جهة الدّليل كون «أل» الموصولة حرفا لا اسما كما سيأتي.
وليس لمرجّح أن يرجّح قول الزمخشري بأنهم قالوا : إنّ الميم في قولهم : «م الله» بقية «أيمن» ، فإذا انتهكوا «أيمن» بالحذف حتى صار على حرف واحد ، فأولى أن يقال بذلك فيما بقي على حرفين ، لأن «أل» زائدة على ماهية «الذي» ، فيكونون قد حذفوا جميع الاسم ، وتركوا ذلك الزائد عليه ، بخلاف «ميم» «أيمن» ، وأيضا فإن القول بأن «الميم» بقية «أيمن» قول ضعيف مردود يأباه قول الجمهور.
وفي «الّذي» لغات : أشهرها ثبوت الياء ساكنة وقد تشدّد مكسورة مطلقا ، أو جارية بوجوه الإعراب ، كقوله : [الوافر]
٢٢٦ ـ وليس المال فاعلمه بمال |
|
وإن أرضاك إلّا للّذيّ |
ينال به العلاء ويصطفيه |
|
لأقرب أقربيه وللقصيّ (١) |
__________________
(١) ينظر الأمالي الشجرية : (٢ / ٣١٥). والأزهية : (٢٩٣) ، والإنصاف : (٢ / ٦٧٥) ، وشرح جمل الزجاجي : (١ / ١٧٠) ، والهمع : (١ / ٨٢) ، الخزانة : (٢ / ٤٩٧) ، والدرر : (٢ / ٥٥) ، واللسان (لذا) ، ورصف المباني : (٧٦) ، والدر المصون : (١ / ١٣٠).