أما على قولنا فلا يلزم هذا المحذور.
والجواب عن الأول : أن قوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) يتناول الإيمان بالغائبات على الإجمال ، ثم إن قوله بعد ذلك : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يتناول الإيمان ببعض الغائبات ، فكان هذا من باب عطف التّفصيل على الجملة ، وهو جائز كقوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) [البقرة : ٩٨].
وعن الثاني : لا نزاع في أننا نؤمن بالأشياء الغائبة عنّا ، فكان ذلك التخصيص لازما على الوجهين جميعا.
فإن قيل : أفتقولون : العبد يعلم الغيب أم لا؟
قلنا : قد بينا أن الغيب ينقسم إلى ما عليه دليل ، وإلى ما لا دليل عليه.
أما الذي لا دليل عليه ، فهو سبحانه العالم به لا غيره.
وأما الذي عليه دليل فلا يمتنع أن نقول : نعلم من الغيب ما لنا عليه دليل ، وعلى هذا الوجه قال العلماء : الاستدلال بالشاهد على الغائب أحد أقسام الأدلة.
وعن الثالث : لا نسلّم أن لفظ الغيبة لا يستعمل إلّا فيما يجوز عليه الحضور ، والدّليل على ذلك أنّ المتكلمين يقولون هذا من باب إلحاق الغائب بالشّاهد ، ويريدون بالغائب ذات الله تعالى وصفاته ، والله أعلم.
واختلفوا في المراد ب «الغيب».
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «الغيب ـ هاهنا ـ كل ما أمرت بالإيمان به فيما غاب عن بصرك (١) مثل : الملائكة والبعث والجنّة والنّار والصّراط والميزان».
وقيل : الغيب هاهنا هو الله تعالى.
وقيل : القرآن (٢).
وقال الحسن : الآخرة.
وقال زرّ بن حبيش (٣) ، وابن جريج : بالوحي (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره (١ / ٢٣٦ ـ شاكر).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١ / ٢٣٦ شاكر) عن زر بن حبيش وذكره ابن كثير في «تفسيره» (١ / ٧٣ ـ ٧٤).
(٣) زر بن حبيش بضم المهملة وفتح الموحدة وآخره معجمة ابن خباشة بمعجمتين بينهما موحدة بعدها ألف الأسدي أبو مريم الكوفي مخضرم ، عن عمر وعثمان وعلي والعباس وعنه إبراهيم النخعي والمنهال بن عمرو ، وعاصم بن بهدلة ، وثقه ابن معين ، قال خليفة : مات سنة اثنتين وثمانين.
ينظر الخلاصة : ١ / ٣٥٨ (٢٣٠٤) ، تهذيب الكمال : ١ / ٤٢٧ ، تهذيب التهذيب : ٣ / ٣٢٠ ، تقريب التهذيب : ١ / ٥٩.
(٤) سقط في أ.