ترجيحه في غيرها ، وذلك أنّك إذا قلت : «خرجت فإذا في الدّار زيد» و «أمّا في الدار فزيد» يتعيّن في هاتين الصّورتين [أن يقدر بالاسم](١) ؛ لأنّ «إذا» الفجائية وأمّا التّفصيليّة لا يليهما إلّا المبتدأ. وقد عورض هذا اللّفظ بأنه يتعيّن تقدير الفعل في بعض الصّور ، وهو ما إذا وقع الجارّ والمجرور صلة لموصول ، نحو : الّذي في الدار فليكن راجحا في غيره؟
والجواب : أنّ ما رجحنا به هو من باب المبتدإ ، أو الخبر ، وليس أجنبيّا ، فكان اعتباره أولى ، بخلاف وقوعه صلة ، [والأول غير أجنبيّ](٢).
ولا بدّ من ذكر قاعدة ـ ها هنا ـ لعموم فائدتها ، وهي أنّ الجار والمجرور والظرف إذا وقعا صلة أو صفة ، أو حالا ، أو خبرا تعلقا بمحذوف ، وذلك المحذوف لا يجوز ظهوره إذا كان كونا مطلقا ، فأمّا قول الشاعر : [الطويل]
٤٠ ـ لك العزّ إن مولاك عزّ ، وإن يهن |
|
فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (٣) |
وأما قوله تبارك وتعالى : (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ) [النمل : ٤٠] فلم يقصد جعل الظّرف كائنا فلذلك ذكر المتعلّق به ، ثم ذلك المحذوف يجوز تقديره باسم أو فعل إلّا في الصلة ، فإنه يتعيّن أن يكون فعلا (٤). واختلفوا : أيّ التقديرين أولى فيما عدا الصور المستثناة؟
فقوم رجّحوا تقدير الفعل ، [وقوم رجّحوا تقدير الاسم](٥) ، وقد تقدم دليل الفريقين. وقرىء (٦) شاذّا بنصب الدال من «الحمد» ، وفيه وجهان :
أظهرهما : أنه منصوب على المصدريّة ، ثم حذف العامل ، وناب المصدر منابه ؛ كقولهم في الأخبار : «حمدا ، وشكرا لا كفرا» والتقدير : «أحمد الله حمدا» ، فهو مصدر ناب عن جملة خبريّة.
وقال الطّبريّ (٧) ـ رحمهالله تعالى ـ : «إنّ في ضمنه أمر عباده أن يثنوا به عليه ، فكأنّه
__________________
(١) في أ : تقدير الاسم.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر الدرر : ٢ / ١٨ ، ٥ / ٣١٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤٧ ، وشرح ابن عقيل ص ١١١ ، ومغني اللبيب ٢ / ٤٤٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٤٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٩٨ ، ٢ / ١٠٨ ، والدر ١ / ٦٤.
(٤) في أ : اسما.
(٥) سقط في أ.
(٦) ينظر البحر المحيط : ١ / ١٣١ ، المحرر الوجيز : ١ / ٦٦.
(٧) أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري ، الإمام العلم صاحب التفسير المشهور ، مولده سنة ٢٢٤ ، أخذ الفقه عن الزعفراني والربيع المرادي ، وذكر الفرغاني عند عد مصنفاته كتاب : لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام ، وهو مذهبه الذي اختاره وجوّده واحتج له ، وهو ثلاثة وثمانون كتابا. مات سنة ٣١٠.
انظر : ط. ابن قاضي شهبة ١ / ـ ١ ، تاريخ بغداد ٢ / ١٦٢ ، تذكرة الحفاظ : ٢ / ٦١٠.