وأيضا فإنه يمتنع
إطلاق المدح حيث يجوز إطلاق الحمد ، فإنه يقال : حمدت الله ـ تعالى ـ ولا يقال :
مدحته ، ولو كان مقلوبا لما امتنع ذلك.
ولقائل أن يقول :
منع من ذلك مانع ، وهو عدم الإذن في ذلك.
وقال الرّاغب : «الحمد لله» : الثناء بالفضيلة ، وهو أخصّ من المدح ،
وأعمّ من الشّكر ، فإنّ المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، وما يكون منه
بغير اختيار ، فقد يمدح الإنسان بطول قامته ، وصباحة وجهه ، كما يمدح ببذل ماله
وشجاعته وعلمه ، والحمد يكون في الثّاني دون الأوّل.
قال ابن الخطيب ـ رحمهالله تعالى ـ : الفرق بين الحمد والمدح من وجوه :
أحدها : أن المدح
قد يحصل للحيّ ، ولغير الحيّ ، ألا ترى أنّ من رأى لؤلؤة في غاية الحسن ، فإنه
يمدحها؟ فثبت أنّ المدح أعمّ من الحمد.
الثّاني : أن
المدح قد يكون قبل الإحسان ، وقد يكون بعده ، أما الحمد فإنه لا يكون إلّا بعد
الإحسان.
الثالث : أنّا
المدح قد يكون منهيا عنه ؛ قال عليه الصلاة والسلام : «احثوا التّراب في وجوه
المدّاحين» . أما الحمد فإنه مأمور به مطلقا ؛ قال ـ عليه الصلاة
والسلام ـ : «من لم يحمد النّاس لم يحمد الله» .
الرابع : أنّ
المدح عبارة عن القول الدّالّ على كونه مختصا بنوع من أنواع الفضائل.
وأمّا الحمد فهو
القول الدّالّ على كونه مختصّا بفضيلة معيّنة ، وهي فضيلة الإنعام والإحسان ، فثبت
أنّ المدح أعمّ من الحمد.
وأمّا الفرق بين
الحمد والشّكر ، فهو أنّ الحمد يعمّ إذا وصل ذلك الإنعام إليك أو إلى غيرك ، وأما
الشّكر ، فهو مختصّ بالإنعام الواصل إليك.
وقال الرّاغب ـ رحمهالله ـ : والشكر لا يقال إلّا في مقابلة نعمة ، فكلّ شكر حمد ،
وليس كلّ حمد شكرا ، وكل حمد مدح ، وليس كلّ مدح حمدا.
__________________