وبعد أن أجمل الوعيد السابق بقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) فصله بقوله : (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ) يعني قسما لأقطعنّ الأيدي والأرجل من خلاف ، ثم لأصلبنّ كل واحد على جذوع الشّجر ، كما قال : (فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه ٢٠ / ٧١] أي على الجذوع ، لتكونوا عبرة لمن يكيد لنا ويخرج عن سلطاننا ، قال ابن عباس : وكان أوّل من صلب ، وأوّل من قطّع الأيدي والأرجل من خلاف : فرعون.
فأجابه السّحرة على تهديده ووعيده : إنّنا لا نأبه بالقتل ولا نبالي بالموت ؛ لأننا قد تحقّقنا أنا إلى الله راجعون ، ففي الآخرة يوم الجزاء ، فيثيبنا على شدائد القطع والصّلب ، ونريد أن نفدي أنفسنا من عذاب الله ، فعذابه أشدّ من عذابك ، ونكاله على ما تدعونا إليه اليوم ، وما أكرهتنا من السّحر ، أعظم من نكالك ، فلنصبرنّ اليوم على عذابك ، لنخلص من عذاب الله ، كما قال تعالى : (قالُوا : لا ضَيْرَ ، إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ. إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء ٢٦ / ٥٠ ـ ٥١].
ويحتمل ـ كما ذكر الزّمخشري ـ أن يكون المعنى : إنّا جميعا نحن وأنت يا فرعون ، سننقلب إلى الله ، فيحكم بيننا. وفي هذا إيماء إلى تكذيبه في ادّعاء الرّبوبيّة ، وإيثار ما عند الله على ما عنده من شهوات الدّنيا الفانية.
وما تعيب منّا إلا الإيمان بآيات الله ، الذي هو خير الأعمال ، وأصل المناقب والمفاخر كلها. وفي هذا إعلان لقرار لا رجعة فيه ، وكأنّهم يقولون : لا أمل لك في رجوعنا عن إيماننا.
ربنا هب لنا صبرا واسعا ، وعمّنا بالصبر على دينك والثّبات عليه ، واغمرنا به حتى يفيض علينا كما يغمر الماء الأشياء.
والظاهر أنّ فرعون نفّذ تهديده ووعيده فعلا ، بدليل قوله تعالى في بداية