قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

التفسير المنير [ ج ٩ ]

15/328
*

(حَتَّى عَفَوْا) أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم ، يقال : عفا الشيء : إذا كثر ، وذلك لأن الرخاء يكون عادة سببا في كثرة النسل.

(وَقالُوا : قَدْ مَسَّ ...) أي ابتليناهم بالشدة والرخاء ليتضرعوا وينيبوا إلى الله ، فما أفاد هذا ولا هذا ، وقالوا غير معتبرين بالأحداث : قد مسّنا من البأساء والضراء ، وما بعده من الرخاء ، مثل ما أصاب آباءنا في قديم الزمان ، ولم يتفهموا سنن الله في تهيئة الأسباب للسعادة والشقاء في البشر. وهذا بخلاف حال المؤمنين الذين يشكرون الله على السراء ويصبرون على الضراء ، كما ثبت في الصحيحين : «عجبا لأمر المؤمن ، لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له ، إن أصابته ضرّاء صبر ، فكان خيرا له ، وإن أصابته سرّاء شكر ، فكان خيرا له» فالمؤمن يتنبه لما ابتلاه لله به من الضراء والسراء ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد : «لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقيا من ذنوبه ، والمنافق مثله كمثل الحمار ، لا يدري فيم ربطه أهله ، ولا فيم أرسلوه».

وتغيير الحال من سوء إلى حسن أمر ضروري للتخلص من البلاء ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد ١٣ / ١١].

أما مصير غير المعتبرين بأحداث الزمان وتقلباته فكما ذكر تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً ..) أي فكان عاقبة أمرهم أنا أخذناهم أي عاقبناهم بالعقوبة على بغتة ، أي فجأة ، من غير شعور منهم بما سينزل بهم من العقاب ، ليكون أكثر حسرة ، كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ، فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ ، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا ، أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً ، فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام ٦ / ٤٤] وكما جاء في الحديث الذي رواه أحمد والبيهقي عن عائشة : «موت الفجأة رحمة للمؤمن ، وأخذة أسف للكافر».

فما على الناس مؤمنين وكفارا إلا الاتعاظ بما حل بغيرهم ، فالمؤمن بالله