هذا مثال لتقلب المشركين بين إشراكهم مع الله غيره في العبادة ، وبين إظهار احتياجهم إليه ، فذلك عنوان على مبلغ كفرهم وأقصاه. والجملة معطوفة على جملة (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) [الزمر : ٦] الآية لاشتراك الجملتين في الدلالة على أن الله منفرد بالتصرف مستوجب للشكر ، وعلى أن الكفر به قبيح ، وتتضمن الاستدلال على وحدانية إلهية بدليل من أحوال المشركين به فإنهم إذا مسهم الضر لجئوا إليه وحده ، وإذا أصابتهم نعمة أعرضوا عن شكره وجعلوا له شركاء.
فالتعريف في (الْإِنْسانَ) تعريف الجنس ولكن عمومه هنا عموم عرفي لفريق من الإنسان وهم أهل الشرك خاصة لأن قوله : (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) لا يتفق مع حال المؤمنين.
والقول بأن المراد : انسان معيّن وأنه عتبة بن ربيعة ، أو أبو جهل ، خروج عن مهيع الكلام ، وإنما هذان وأمثالهما من جملة هذا الجنس. وذكر الإنسان إظهار في مقام الإضمار لأن المقصود به المخاطبون بقوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) إلى قوله : (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزمر : ٦ ، ٧] ، فكان مقتضى الظاهر أن يقال : وإذا مسكم الضر دعوتم ربكم إلخ ، فعدل إلى الإظهار لما في معنى الإنسان من مراعاة ما في الإنسانية من التقلب والاضطراب إلا من عصمه الله بالتوفيق كقوله تعالى : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) [مريم : ٦٦] ، وقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) [القيامة : ٣] وغير ذلك ولأن في اسم الإنسان مناسبة مع النسيان الآتي في قوله : (نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ). وتقدم نظير لهذه الآية في قوله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) في سورة الروم [٣٣].
والتخويل : الإعطاء والتمليك دون قصد عوض. وعينه واو لا محالة. وهو مشتق من الخول بفتحتين وهو اسم للعبيد والخدم ، ولا التفات إلى فعل خال بمعنى : افتخر ، فتلك مادة أخرى غير ما اشتق منه فعل خوّل.
والنسيان : ذهول الحافظة عن الأمر المعلوم سابقا.
وما صدق (ما) في قوله : (ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) هو الضر ، أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إليه ، أي إلى كشفه عنه ، ومفعول (يَدْعُوا) محذوف دل عليه قوله : (دَعا رَبَّهُ) ، وضمير (إِلَيْهِ) عائد إلى (ما) ، أي نسي الضر الذي كان يدعو الله إليه ، أي إلى كشفه. ويجوز أن يكون (ما) صادقا على الدعاء كما تدل عليه الصلة ويكون الضمير المجرور ب (إلى) عائدا إلى (رَبَّهُ) ، أي نسي الدعاء ، وضمّن الدعاء معنى الابتهال