فِيها) فكلتا الجملتين جواب لهم مؤيس من حصول التخفيف عنهم. والمعنى : نحن مستوون في العذاب وهو حكم الله فلا مطمع في التقصي من حكمه فقد جوزي كل فريق بما يستحق.
وما في هذه الجملة الثانية من عموم تعلق فعل الحكم بين العباد ما يجعل هذا البدل بمنزلة التذييل ، أي أن الله حكم بين العباد كلهم بجزاء أعمالهم فكان قسطنا من الحكم هذا العذاب. فكلمة (بَيْنَ) هنا مستعملة في معناها الحقيقي وهو المكان المتوسط ، أي وقع حكمه وقضاؤه في مجمعهم الذي حضره من حكم عليه ومن حكم له ومن لم يتعرض للحكومة لأنه من أهل الكرامة بالجنة ، فليست كلمة (بين) هنا بمنزلة (بين) في قوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ٤٨] فإنها في ذلك مستعملة مجازا في التفرقة بين المحق والمبطل.
وفي هذه الآية عبرة لزعماء الأمم وقادتهم أن يحذروا الارتماء بأنفسهم في مهاوي الخسران فيوقعوا المقتدين بهم في تلك المهاوي فإن كان إقدامهم ومغامرتهم بأنفسهم وأممهم على علم بعواقب ذلك كانوا أحرياء بالمذمة والخزي في الدنيا ومضاعفة العذاب في الآخرة ، إذ ما كان لهم أن يغرّوا بأقوام وكلوا أمورهم بقادتهم عن حسن ظن فيهم ، أن يخونوا أمانتهم فيهم كما قال تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] ، وإن كان قحمهم أنفسهم في مضائق الزعامة عن جهل بعواقب قصورهم وتقصيرهم فإنهم ملومون على عدم التوثق من كفاءتهم لتدبير الأمة فيخبطوا بها خبط عشواء حتى يزلوا بها فيهووا بها من شواهق بعيدة فيصيروا رميما ، ويلقوا في الآخرة جحيما.
[٤٩ ـ ٥٠] (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠))
لما لم يجدوا مساغا للتخفيف من العذاب في جانب كبرائهم ، وتنصّل كبراؤهم من ذلك أو اعترفوا بغلطهم وتوريطهم قومهم وأنفسهم تمالأ الجميع على محاولة طلب تخفيف العذاب بدعوة من خزنة جهنم ، فلذلك أسند القول إلى الذين في النار ، أي جميعهم من الضعفاء والذين استكبروا.