أسلافهم في جبلّتهم وتقرر في نفوسهم فانتقاله إليهم جيلا بعد جيل كما تقدم في خطاب بني إسرائيل في سورة البقرة [٤٩] : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) ونحوه.
(كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) جرى أكثر المفسرين على أن هذه الجمل حكاية لبقية كلام المؤمن وبعضهم جعل بعضها من حكاية كلام المؤمن وبعضها كلاما من الله تعالى ، وذلك من تجويز أن يكون قوله : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) إلخ بدلا أو مبتدأ ، وسكت بعضهم عن ذلك مقتصرا على بيان المعنى دون تصدّ لبيان اتصالها بما قبلها.
والذي يظهر أن قوله : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) إلى قوله : (جَبَّارٍ). كله من كلام الله تعالى معترض بين كلام المؤمن وكلام فرعون فإن هذا من المعاني الإسلامية قصد منه العبرة بحال المكذبين بموسى تعريضا بمشركي قريش ، أي كضلال قوم فرعون يضل الله من هو مسرف مرتاب أمثالكم ، فكذلك يكون جزاؤكم ، ويؤيد هذا الوجه قوله في آخرها : (وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) فإن مؤمن آل فرعون لم يكن معه مؤمن بموسى وهارون غيره ، وهذا من باب تذكر الشيء بضده ، ومما يزيد يقينا بهذا أن وصف (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) تكرر أربع مرات من أول هذه السورة ، ثم كان هنا وسطا في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) [غافر : ٥٦] ، ثم كان خاتمة في قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) [غافر : ٦٩].
والإشارة في قوله كذلك : إلى الضلال المأخوذ من قوله : (يُضِلُّ اللهُ) أي مثل ذلك الضلال يضل الله المسرفين المرتابين ، أي أن ضلال المشركين في تكذيبهم محمداصلىاللهعليهوسلم مثل ضلال قوم فرعون في تكذيبهم موسى عليهالسلام. والخطاب بالكاف المقترنة باسم الإشارة خطاب للمسلمين.
والمسرف : المفرط في فعل لا خير فيه. والمرتاب : الشديد الريب ، أي الشك.
وإسناد الإضلال إلى الله كإسناد نفي الهداية إليه في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر : ٢٨] ، وتقدم آنفا.