معاني القرآن بله بلاغته ، وقد زينه ابن هشام في «مغني اللبيب» ، وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ) في سورة التوبة [١١٢] وعند قوله : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) في سورة الكهف [٢٢].
و (إِذا) هنا لمجرد الزمان غير مضمنة معنى الشرط ، فالتقدير : حتّى زمن مجيئهم إلى أبواب الجنة ، أي خلّتهم الملائكة الموكلون بإحفافهم عند أبواب الجنة ، كحالة من يهدي العروس إلى بيتها فإذا أبلغها بابه خلّى بينها وبين بيتها ، كأنهم يقولون : هذا منزلكم فدونكموه ، فتلقتهم خزنة الجنة بالسلام.
و (طِبْتُمْ) دعاء بالطيب لهم ، أي التزكية وطيب الحالة ، والجملة إنشاء تكريم ودعاء.
والخلاف بين القراء في (فُتِحَتْ) هنا كالخلاف في نظيره المذكور آنفا.
(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤))
عطف هذا الكلام يؤذن بأن قولهم ذلك غير جواب لقول الملائكة بل حمدوا الله على ما منحهم من النعيم الذي وعدهم به ، وإنما وعدهم به بعنوان الأعمال الصالحة فلما كانوا أصحاب الأعمال الصالحة جعلوا وعد العاملين للصالحات وعدا لهم لتحقق المعلق عليه الوعد فيهم. ومعنى (صَدَقَنا) حقق لنا وعده.
وقوله : (أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) كلام جرى مجرى المثل لمن ورث الملك قال تعالى : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء : ١٠٥] فعبر القرآن عن مراد أهل الجنة المختلفي اللغات بهذا التركيب العربي الدال على معاني ما نطقوا به من لغاتهم المختلفة. ويجوز أن يكون أهل الجنة نطقوا بكلام عربي ألهمهم الله إياه فقد جاء في الآثار أن كلام أهل الجنة بالعربية الفصحى. ولفظ (الْأَرْضَ) جار على مراعاة التركيب التمثيلي لأن الأرض قد اضمحلت أو بدلت. ويجوز أن يكون لفظ (الْأَرْضَ) مستعارا للجنّة لأنها قرارهم كما أن الأرض قرار الناس في الحياة الأولى.
وإطلاق الإيراث استعارة تشبيها للإعطاء بالتوريث في سلامته من تعب الاكتساب.
والتبوؤ : السكني والحلول ، والمعنى : أنهم يتنقلون في الغرف والبساتين تفننا في النعيم.