للملابسة ، أي متلبسين بالفوز أو الباء للسببية ، أي بسبب ما حصلوا عليه من الفوز. ويجوز أن تكون المفازة اسما للفلاة ، كما في قول لبيد :
لورد تقلص الغيطان عنه |
|
يبذ مفازة الخمس الكمال |
سميت مفازة باسم مكان الفوز ، أي النجاة وتأنيثها بتأويل البقعة ، وسموها مفازة باعتبار أن من حل بها سلم من أن يلحقه عدوّه ، كما قال العديل :
ودون يد الحجاج من أن تنالني |
|
بساط بأيدي أنا عجات عريض |
وقول النابغة :
تدافع الناس عنا حين نركبها |
|
من المظالم تدعى أمّ صبار |
وعلى هذا المعنى فالباء بمعنى (في). والمفازة : الجنة. وإضافة مفازة إلى ضميرهم كناية عن شدة تلبسهم بالفوز حتى عرف بهم كما يقال : فاز فوز فلان.
وقرأ الجمهور (بِمَفازَتِهِمْ) بصيغة المفرد. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف بمفازاتهم بصيغة الجمع وهي تجري على المعنيين في المفازة لأن المصدر قد يجمع باعتبار تعدد الصادر منه ، أو باعتبار تعدد أنواعه ، وكذلك تعدد أمكنة الفوز بتعدد الطوائف ، وعلى هذا فإضافة المفازة إلى ضمير (الَّذِينَ اتَّقَوْا) لتعريفها بهم ، أي المفازة التي علمتم أنها لهم وهي الجنة ، وقد علم ذلك من آيات وأخبار منها قوله تعالى : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً حَدائِقَ وَأَعْناباً وَكَواعِبَ أَتْراباً) [النبأ : ٣١ ، ٣٣].
وجملة (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) مبيّنة لجملة (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ) لأن نفي مسّ السوء هو إنجاؤهم ونفي الحزن عنهم نفي لأثر المس السوء. وجيء في جانب نفي السوء بالجملة الفعلية لأن ذلك لنفي حالة أهل النار عنهم ، وأهل النار في مسّ من السوء متجدد. وجيء في نفي الحزن عنهم بالجملة الاسمية لأن أهل النار أيضا في حزن وغم ثابت لازم لهم.
ومن لطيف التعبير هذا التفنن ، فإن شأن الأسواء الجسدية تجدد آلامها وشأن الأكدار القلبية دوام الإحساس بها.
[٦٢ ـ ٦٣] (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣))