الخطّابي روى هذا الحديث غير واحد عن عبد الله بن مسعود من طريق عبيدة فلم يذكروا قوله تصديقا لقول الحبر ، ولعله من الراوي ظنّ وحسبان. ا ه ـ ، أي فهو من إدراج إبراهيم النخعي رواية عن عبيدة. وإنما كان ضحك النبي صلىاللهعليهوسلم استهزاء بالحبر في ظنه أن الله يفعل ذلك حقيقة وأن له يدا وأصابع حسب اعتقاد اليهود التجسيم ولذلك أعقبه بقراءة (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) لأن افتتاحها يشتمل على إبطال ما توهمه الحبر ونظراؤه من الجسمية ، وذلك معروف من اعتقادهم وقد ردّه القرآن عليهم غير مرة مما هو معلوم فلم يحتج النبي صلىاللهعليهوسلم إلى التصريح بإبطاله واكتفى بالإشارة التي يفهمها المؤمنون ، ثم أشار إلى أن ما توهمه اليهودي توزيعا على الأصابع إنما هو مجاز عن الأخذ والتصرف. وفي بعض روايات الحديث فنزل قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وهو وهم من بعض رواته وكيف وهذه مكية وقصة الحبر مدنية.
وجملة (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) إنشاء تنزيه لله تعالى عن إشراك المشركين له آلهة وهو يؤكد جملة (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨))
انتقال من إجمال عظمة القدرة يوم القيامة إلى تفصيلها لما فيه من تهويل وتمثيل لمجموع الأحوال يومئذ مما ينذر الكافر ويبشر المؤمن ويذكر بإقامة العدل والحق ، ثم تمثيل إزجاء المشركين إلى جهنم وسوق المؤمنين إلى الجنة.
فالجملة من عطف القصة على القصة ، ومناسبة العطف ظاهرة ، وعبر بالماضي في قوله : (وَنُفِخَ) وقوله : (فَصَعِقَ) مجازا لأنه محقق الوقوع مثل قوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ، ويجوز أن تكون الواو للحال بتقدير (قد) أي والحال قد نفخ في الصور ، فتكون صيغة الماضي في فعلي (نفخ وصعق) مستعملة في حقيقتها. وابتدئت الجملة بحديث النفخ في الصور إذ هو ميقات يوم القيامة وما يتقدمه من موت كل حي على وجه الأرض. وتكرر ذكره في القرآن والسنة.
والصور : بوق ينادى به البعيد المتفرق مثل الجيش ، ومثل النداء للصلاة فقد كان اليهود ينادون به : للصلاة الجامعة ، كما جاء في حديث بدء الأذان في الإسلام. والمراد به هنا نداء الخلق لحضور الحشر أحيائهم وأمواتهم ، وتقدم عند قوله : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) في الأنعام