وجملة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) يجوز أن تكون جوابا للاستفهام التقريري بناء على أن أحد الظرفين المقرر عليهما محقق الوقوع لا يسع المقرر عليه إلا الإقرار به ، فيقدّرون : أنهم أقروا بعدم استوائهما في الحالة ، أي بأن أحدهما أفضل من الآخر ، فإن مثل هذا الاستفهام لا ينتظر السائل جوابا عنه ، فلذلك يصح أن يتولى الجواب عنه قبل أن يجيب المسئول كقوله تعالى : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) [النبأ : ١ ـ ٢] ، وقد يبنى على أن المسئول اعترف فيؤتى بما يناسب اعترافه كما هنا ، فكأنهم قالوا : لا يستويان ، وذلك هو ما يبتغيه المتكلم من استفهامه ، فلما وافق جوابهم بغية المستفهم حمد الله على نهوض حجته ، فتكون الجملة استئنافا ، فموقعها كموقع النتيجة بعد الدليل ، وتكون جملة (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) قرينة على أنهم نزّلوا منزلة من علم فأقر وأنهم ليسوا كذلك في نفس الأمر ، ويجوز أن تكون معترضة إذا جعل الاستفهام إنكاريا فتكون معترضة بين الإنكار وبين الإضراب الانتقالي في قوله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي لا يعلمون عدم استواء الحالتين ولو علموا لاختاروا لأنفسهم الحسنى منهما ، ولما أصرّوا على الإشراك.
وأفاد هذا أن ما انتحلوه من الشرك وتكاذيبه لا يمتّ إلى العلم بصلة فهو جهالة واختلاق. و (بَلْ) للإضراب الانتقالي. وأسند عدم العلم لأكثرهم لأن أكثرهم عامة أتباع لزعمائهم الذين سنّوا لهم الإشراك وشرائعه انتفاعا بالجاه والثناء الكاذب بحيث غشّى ذلك على عملهم.
[٣٠ ـ ٣١] (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١))
لمّا جرى الكلام من أول السورة في مهيع إبطال الشرك وإثبات الوحدانية للإله ، وتوضيح الاختلاف بين حال المشركين وحال الموحّدين المؤمنين بما ينبئ بتفضيل حال المؤمنين ، وفي مهيع إقامة الحجة على بطلان الشرك وعلى أحقيّة الإيمان ، وإرشاد المشركين إلى التبصر في هذا القرآن ، وتخلل في ذلك ما يقتضي أنهم غير مقلعين عن باطلهم ، وختم بتسجيل جهلهم وعدم علمهم ، ختم هذا الغرض بإحالتهم على حكم الله بينهم وبين المؤمنين يوم القيامة حين لا يستطيعون إنكارا ، وحين يلتفتون فلا يرون إلا نارا.
وقدم لذلك تذكيرهم بأن الناس كلهم صائرون إلى الموت فإن الموت آخر ما يذكر به السادر في غلوائه إذا كان قد اغتر بعظمة الحياة ولم يتفكر في اختيار طريق السلامة