فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١))
جملة (قَدْ قالَهَا) مبيّنة لمضمون (هِيَ فِتْنَةٌ) [الزمر : ٤٩] لأن بيان مغبة الذين قالوا هذا القول في شأن النعمة التي تنالهم يبين أن نعمة هؤلاء كانت فتنة لهم. وضمير (قالَهَا) عائد إلى قول القائل (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) [الزمر : ٤٩] ، على تأويل القول بالكلمة التي هي الجملة كقوله تعالى : (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ٩٩ ، ١٠٠].
و (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هم غير المتدينين ممن سلفوا ممن علمهم الله ، ومنهم قارون وقد حكى عنه في سورة القصص أنه قال ذلك.
والمراد ب (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ما كسبوه من أموال. وعدم إغنائه عنهم أنهم لم يستطيعوا دفع العذاب بأموالهم. والفاء في (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) لتفريع عدم إغناء ما كسبوه على مقالتهم تلك فإن عدم الإغناء مشعر بأنهم حل بهم من السوء ما شأن مثله أن يتطلب صاحبه الافتداء منه ، فإذا كان ذلك السوء عظيما لم يكن له فداء ، ففي الكلام إيجاز حذف يبينه قوله بعده : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا). ففاء (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) مفرّعة على جملة (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) ، أي تسبب على انتفاء إغناء الكسب عنهم حلول العقاب بهم. وكان مقتضى الظاهر في ترتيب الجمل أن تكون جملة (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) مقدّمة على جملة (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) ، لأن الإغناء إنما يترقب عند حلول الضير بهم فإذا تقرر عدم الإغناء يذكر بعده حلول المصيبة ، فعكس الترتيب على خلاف مقتضى الظاهر لقصد التعجيل بإبطال مقالة قائلهم (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) [الزمر : ٤٩] ، أي لو كان لعلمهم أثر في جلب النعمة لهم لكان له أثر في دفع الضر عنهم.
والإشارة ب (هؤُلاءِ) إلى المشركين من أهل مكة وقد بيّنا غير مرة أننا اهتدينا إلى كشف عادة من عادات القرآن إذا ذكرت فيه هذه الإشارة أن يكون المراد بها المشركون من قريش. وإصابة السيئات مراد بها في الموضعين إصابة جزاء السيئات وهو عقاب الدنيا وعقاب الآخرة لأن جزاء السيئة سيئة مثلها.
والمعجز : الغالب ، وتقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) في سورة الأنعام [١٣٤] ، أي ما هم بمعجزينا ، فحذف مفعول اسم الفاعل