المجيب عن ذلك يجيب به من حيث الجملة ولا يقبل بالجواب على المخاطب لمعاندته فيجيب وهو معرض عنه بخلاف قولهم : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) فإنه تقرير لمقالتهم فهم يقبلون عليهم بالجواب لأنهم لم يبطلوا كلامهم بالإطلاق بل يقررونه ويزيدون فيه اه.
والحاصل أن زيادة (لَهُمْ) تؤذن بالدلالة على توجه الرسل إلى قومهم بالجواب لما في الجواب عن كلامهم من الدقة المحتاجة إلى الاهتمام بالجواب بالإقبال عليهم إذ اللام الداخلة بعد فعل القول في نحو : أقول لك ، لام تعليل ، أي أقول قولي لأجلك.
ثم عطفوا على ذلك تبيين أن ما سأله القوم من الإتيان بسلطان مبين ليس ذلك إليهم ولكنه بمشيئة الله وليس الله بمكره على إجابة من يتحداه.
وجملة (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أمر لمن آمن من قومهم بالتوكل على الله ، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليّا لأنهم أول المؤمنين بقرينة قولهم : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا) إلى آخره.
ولما كان حصول إذن الله تعالى بتأييد الرسل بالحجة المسئولة غير معلوم الميقات ولا متعيّن الوقوع وكانت مدة ترقب ذلك مظنة لتكذيب الذين كفروا رسلهم تكذيبا قاطعا وتوقع الرسل أذاه قومهم إياهم شأن القاطع بكذب من زعم أنه مرسل من الله ، ولأنهم قد بدءوهم بالأذى كما دل عليه قولهم : (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا). أظهر الرسل لقومهم أنهم غير غافلين عن ذلك وأنهم يتلقون ما عسى أن يواجههم به المكذّبون من أذى بتوكّلهم على الله هم ومن آمن معهم ؛ فابتدءوا بأن أمروا المؤمنين بالتوكل تذكيرا لهم لئلا يتعرّض إيمانهم إلى زعزعة الشك حرصا على ثبات المؤمنين ، كقول النبي صلىاللهعليهوسلم لعمر ـ رضياللهعنه ـ : «أفي شك أنت يا ابن الخطّاب». وفي ذلك الأمر إيذان بأنهم لا يعبئون بما يضمره لهم الكافرون من الأذى ، كقول السحرة لفرعون حين آمنوا (لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ)[سورة الشعراء : ٥٠].
وتقديم المجرور في قوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) مؤذن بالحصر وأنهم لا يرجون نصرا من غير الله تعالى لضعفهم وقلة ناصرهم. وفيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصر الله.
والجملة معطوفة بالواو عطف الإنشاء على الخبر.
والفاء في قوله : (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) رابطة لجملة (ليتوكل المؤمنون) بما أفاده