وصيغة (لَمِنَ الصَّادِقِينَ) كما تقدم في نظائرها ، منها قوله تعالى : (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) في سورة الأنعام [٥٦].
(ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢))
ظاهر نظم الكلام أن الجملة من قول امرأة العزيز ، وعلى ذلك حمله الأقل من المفسرين ، وعزاه ابن عطية إلى فرقة من أهل التأويل ، ونسب إلى الجبائي ، واختاره الماوردي ، وهو في موقع العلة لما تضمنته جملة (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ) [سورة يوسف : ٥١] وما عطف عليها من إقرار ببراءة يوسف ـ عليهالسلام ـ بما كانت رمته به. فالإشارة بذلك إلى الإقرار المستفاد من جملة (أَنَا راوَدْتُهُ) أي ذلك الإقرار ليعلم يوسف ـ عليهالسلام ـ أني لم أخنه.
واللام في (لِيَعْلَمَ) لام كي ، والفعل بعدها منصوب ب (أن) مضمرة ، فهو في تأويل المصدر ، وهو خبر عن اسم الإشارة.
والباء في (بِالْغَيْبِ) للملابسة أو الظرفية ، أي في غيبته ، أي لم أرمه بما يقدح فيه في مغيبه. ومحل المجرور في محل الحال من الضمير المنصوب.
والخيانة : هي تهمته بمحاولة السوء معها كذبا ، لأن الكذب ضد أمانة القول بالحق.
والتعريف في الغيب تعريف الجنس. تمدحت بعدم الخيانة على أبلغ وجه إذ نفت الخيانة في المغيب وهو حائل بينه وبين دفاعه عن نفسه ، وحالة المغيب أمكن لمريد الخيانة أن يخون فيها من حالة الحضرة ، لأن الحاضر قد يتفطن لقصد الخائن فيدفع خيانته بالحجة.
و (أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) عطف على (لِيَعْلَمَ) وهو علة ثانية لإصداعها بالحق ، أي ولأن الله لا يهدي كيد الخائنين. والخبر مستعمل في لازم الفائدة وهو كون المتكلم عالما بمضمون الكلام ، لأن علة إقرارها هو علمها بأن الله لا يهدي كيد الخائنين.
ومعنى (لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) لا ينفذه ولا يسدده. فأطلقت الهداية التي هي الإرشاد إلى الطريق الموصلة على تيسير الوصول ، وأطلق نفيها على نفي ذلك التيسير ، أي أن سنة الله في الكون جرت على أن فنون الباطل وإن راجت أوائلها لا تلبث أن تنقشع