وجملة (إِنَّا نَراكَ) تعليل لانتفاء المستفاد من (نَبِّئْنا).
[٣٧ ، ٣٨] (قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨))
جملة (قالَ لا يَأْتِيكُما) جواب عن كلامهما ففصلت على أسلوب حكاية جمل التحاور.
أراد بهذا الجواب أن يفترص إقبالهما عليه وملازمة الحديث معه إذ هما يترقبان تعبيره الرؤيا فيدمج في ذلك دعوتهما إلى الإيمان الصحيح مع الوعد بأنّه يعبّر لهما رؤياهما غير بعيد ، وجعل لذلك وقتا معلوما لهم ، وهو وقت إحضار طعام المساجين إذ ليس لهم في السجن حوادث يوقتون بها ، ولأن انطباق الأبواب وإحاطة الجدران يحول بينهم وبين رؤية الشمس ، فليس لهم إلا حوادث أحوالهم من طعام أو نوم أو هبوب منه.
ويظهر أن أمد إتيان الطعام حينئذ لم يكن بعيدا كما دل عليه قوله : (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما) من تعجيله لهما تأويل رؤياهما وأنه لا يتريث في ذلك.
ووصف الطعام بجملة (تُرْزَقانِهِ) تصريح بالضبط بأنه طعام معلوم الوقت لا ترقب طعام يهدى لهما بحيث لا ينضبط حصوله.
وحقيقة الرزق : ما به النفع ، ويطلق على الطعام كقوله : (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) [سورة آل عمران : ٣٧] أي طعاما ، وقوله في سورة الأعراف [٥٠](أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ، وقوله : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [سورة مريم : ٦٢]. ويطلق على الإنفاق المتعارف كقوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ) [سورة النساء : ٥]. ومن هنا يطلق على العطاء الموقت ، يقال : كان بنو فلان من مرتزقة الجند ، ورزق الجند كذا كل يوم.
وضمير (بِتَأْوِيلِهِ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (بِتَأْوِيلِهِ)[سورة يوسف : ٣٦] الأول ، وهو المرئي أو المنام. ولا ينبغي أن يعود إلى طعام إذ لا يحسن إطلاق التأويل عن الأنباء بأسماء أصناف الطعام خلافا لما سلكه جمهور المفسرين.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ) استثناء من أحوال متعددة تناسب