الكبر وحين اليأس من الولادة فناجى الله فحمده على ذلك وأثنى عليه بأنه سميع الدعاء ، أي مجيب ، أي متصف بالإجابة وصفا ذاتيا ، تمهيدا لإجابة دعوته هذه كما أجاب دعوته سلفا. فهذا مناسبة موقع هذه الجملة بعد ما قبلها بقرينة قوله : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ).
واسم الموصول إيماء إلى وجه بناء الحمد. و (عَلَى) في قوله : (عَلَى الْكِبَرِ) للاستعلاء المجازي بمعنى مع ، أي وهب ذلك تعليا على الحالة التي شأنها أن لا تسمح بذلك. ولذلك يفسرون (عَلَى) هذه بمعنى مع ، أي مع الكبر الذي لا تحصل معه الولادة. وكان عمر إبراهيم حين ولد له إسماعيل ـ عليهماالسلام ـ ستا وثمانين سنة (٨٦). وعمره حين ولد له إسحاق ـ عليهماالسلام ـ مائة سنة (١٠٠). وكان لا يولد له من قبل.
وجملة (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) تعليل لجملة (وَهَبَ) ، أي وهب ذلك لأنه سميع الدعاء. والسميع مستعمل في إجابة المطلوب كناية ، وصيغ بمثال المبالغة أو الصفة المشبهة ليدلّ على كثرة ذلك وأن ذلك شأنه ، فيفيد أنه وصف ذاتي لله تعالى.
[٤٠ ، ٤١] (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١))
جملة مستأنفة من تمام دعائه. وفعل (اجْعَلْنِي) مستعمل في التكوين ، كما تقدم آنفا ، أي اجعلني في المستقبل مقيم الصلاة.
والإقامة : الإدامة ، وتقدم في صدر سورة البقرة.
(وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) صفة لموصوف محذوف معطوف على ياء المتكلم. والتقدير واجعل مقيمين للصلاة من ذريتي.
و (مِنْ) ابتدائية وليست للتبعيض ، لأن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لا يسأل الله إلا أكمل ما يحبه لنفسه ولذريته. ويجوز أن تكون (مِنْ) للتبعيض بناء على أن الله أعلمه بأن يكون من ذريته فريق يقيمون الصلاة وفريق لا يقيمونها ، أي لا يؤمنون. وهذا وجه ضعيف لأنه يقتضي أن يكون الدعاء تحصيلا لحاصل ، وهو بعيد ، وكيف وقد قال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [سورة إبراهيم : ٣٥] ولم يقل : ومن بنيّ.
ودعاؤه بتقبل دعائه ضراعة بعد ضراعة.