أحدها : أن آيات صدق النبي صلىاللهعليهوسلم واضحة لو لا أن عقولهم لم تدركها لفساد إدراكهم.
الثاني : أن الآيات الواضحة الحسية قد جاءت لأمم أخرى فرأوها ولم يؤمنوا ، كما قال تعالى : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) [سورة الإسراء : ٥٩].
الثالث : أن لعدم إيمانهم أسبابا خفية يعلمها الله قد أبهمت بالتعليق على المشيئة في قوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) منها ما يومئ إليه قوله في مقابلة (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ). وذلك أنهم تكبروا وأعرضوا حين سمعوا الدعوة إلى التوحيد فلم يتأملوا ، وقد ألقيت إليهم الأدلة القاطعة فأعرضوا عنها ولو أنابوا وأذعنوا لهداهم الله ولكنهم نفروا. وبهذا يظهر موقع ما أمر الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أن يجيب به عن قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) بأن يقول : (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) ، وأن ذلك تعريض بأنهم ممن شاء الله أن يكونوا ضالين وبأن حالهم مثار تعجب.
والإنابة : حقيقتها الرجوع. وأطلقت هنا على الاعتراف بالحق عند ظهور دلائله لأن النفس تنفر من الحق ابتداء ثم ترجع إليه ، فالإنابة هنا ضد النفور.
[٢٨ ، ٢٩] (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩))
استئناف اعتراضي مناسبته المضادة لحال الذين أضلهم الله ، والبيان لحال الذين هداهم مع التنبيه على أن مثال الذين ضلوا هو عدم اطمئنان قلوبهم لذكر الله ، وهو القرآن ، لأن قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) يتضمن أنهم لم يعدوا القرآن آية من الله ، ثم التصريح بجنس عاقبة هؤلاء ، والتعريض بضد ذلك لأولئك ، فذكرها عقب الجملة السابقة يفيد الغرضين ويشير إلى السببين. ولذلك لم يجعل (الَّذِينَ آمَنُوا) بدلا من (مَنْ أَنابَ) [الرعد : ٢٧] لأنه لو كان كذلك لم تعطف على الصلة جملة (وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ) ولا عطف (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) على الصلة الثانية. ف (الَّذِينَ آمَنُوا) الأول مبتدأ ، وجملة (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) معترضة و (الَّذِينَ آمَنُوا) الثاني بدل مطابق من (الَّذِينَ آمَنُوا) الأول ، وجملة (طُوبى لَهُمْ) خبر المبدأ.
والاطمئنان : السكون ، واستعير هنا لليقين وعدم الشك ، لأن الشك يستعار له