خَلْفِهِ) جاءت مفردة لأن كلا منها عائد إلى أحد أصحاب تلك الصلات حيث إن ذكرهم ذكر أقسام من الذين جعلوا سواء في علم الله تعالى ، أي لكل من أسرّ القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنّهار معقبات يحفظونه من غوائل تلك الأوقات.
ويجوز أن تتصل الجملة ب (مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) [الرعد : ١٠] ، وإفراد الضمير لمراعاة عطف صلة على صلة دون إعادة الموصول. والمعنى كالوجه الأول.
و (المعقبات) جمع معقّبة ـ بفتح العين وتشديد القاف مكسورة ـ اسم فاعل عقّبه إذا تبعه. وصيغة التفعيل فيه للمبالغة في العقب. يقال : عقبه إذا اتبعه واشتقاقه من العقب ـ يقال فكسر ـ وهو اسم لمؤخّر الرجل فهو فعل مشتق من الاسم الجامد لأنّ الّذي يتبع غيره كأنّه يطأ على عقبه ، والمراد : ملائكة معقّبات. والواحد معقب.
وإنما جمع جمع مؤنث بتأويل الجماعات.
والحفظ : المراقبة ، ومنه سمي الرقيب حفيظا. والمعنى : يراقبون كلّ أحد في أحواله من إسرار وإعلان ، وسكون وحركة ، أي في أحوال ذلك ، قال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) [الانفطار : ١٠].
و (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) مستعمل في معنى الإحاطة من الجهات كلها.
وقوله : (مِنْ أَمْرِ اللهِ) صفة (مُعَقِّباتٌ) ، أي جماعات من جند الله وأمره ، كقوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥] وقوله : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢] يعني القرآن.
ويجوز أن يكون الحفظ على الوجه الثاني مرادا به الوقاية والصيانة ، أي يحفظون من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ، أي يقونه أضرار الليل من اللصوص وذوات السموم ، وأضرار النّهار نحو الزحام والقتال ، فيكون (مِنْ أَمْرِ اللهِ) جارا ومجرورا لغوا متعلقا ب (يَحْفَظُونَهُ) ، أي يقونه من مخلوقات الله. وهذا منّة على العباد بلطف الله بهم وإلا لكان أدنى شيء يضر بهم. قال تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) [سورة الشورى : ١٩].
(إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) جملة معترضة بين الجمل المتقدمة المسوقة للاستدلال على عظيم قدرة الله تعالى وعلمه بمصنوعاته وبين التذكير بقوة قدرته وبين جملة (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً