وفيها من عبر تاريخ الأمم والحضارة القديمة وقوانينها ونظام حكوماتها وعقوباتها وتجارتها. واسترقاق الصبي اللقيط. واسترقاق السارق ، وأحوال المساجين. ومراقبة المكاييل.
وإن في هذه السورة أسلوبا خاصا من أساليب إعجاز القرآن وهو الإعجاز في أسلوب القصص الذي كان خاصّة أهل مكّة يعجبون ممّا يتلقّونه منه من بين أقاصيص العجم والروم ، فقد كان النضر بن الحارث وغيره يفتنون قريشا بأنّ ما يقوله القرآن في شأن الأمم هو أساطير الأوّلين اكتتبها محمّد صلىاللهعليهوسلم.
وكان النضر يتردّد على الحيرة فتعلّم أحاديث (رستم) و (إسفنديار) من أبطال فارس ، فكان يحدّث قريشا بذلك ويقول لهم : أنا والله أحسن حديثا من محمّد فهلمّ أحدّثكم أحسن من حديثه ، ثم يحدّثهم بأخبار الفرس ، فكان ما في بعضها من التّطويل على عادة أهل الأخبار من الفرس يموّه به عليهم بأنّه أشبع للسامع ، فجاءت هذه السورة على أسلوب استيعاب القصة تحدّيا لهم بالمعارضة.
على أنّها مع ذلك قد طوت كثيرا من القصة من كلّ ما ليس له كبير أثر في العبرة. ولذلك ترى في خلال السورة (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) [سورة يوسف : ٥٦] مرتين (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) [سورة يوسف : ٧٦] فتلك عبر من أجزاء القصة.
وما تخلّل ذلك من الحكمة في أقوال الصّالحين كقوله : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [سورة يوسف : ٦٧] ، وقوله : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [سورة يوسف : ٩٠].
(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (١))
(الر).
تقدم الكلام على نظائر (الر) ونحوها في أوّل سورة البقرة.
(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ).
الكلام على (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) مضى في سورة يونس. ووصف الكتاب هنا ب (الْمُبِينِ) ووصف به في طالعة سورة يونس بالحكيم لأنّ ذكر وصف إبانته هنا أنسب ، إذ كانت القصّة التي تضمّنتها هذه السّورة مفصّلة مبيّنة لأهمّ ما جرى في مدة