لأنه حال انصراف الماء لنفع لا ضرّ معه ، لأنّ من السيول جواحف تجرف الزرع والبيوت والأنعام.
وأيضا هو دال على تفاوت الأودية في مقادير المياه. ولذلك حظ من التشبيه وهو اختلاف الناس في قابلية الانتفاع بما نزل من عند الله كاختلاف الأودية في قبول الماء على حسب ما يسيل إليها من مصاب السيول ، وقد تم التمثيل هنا.
وجملة ومما توقدون (عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ) معترضة بين جملة (فَاحْتَمَلَ) إلخ وجملة (فَأَمَّا الزَّبَدُ) إلخ.
وهذا تمثيل آخر ورد استطرادا عقب ذكر نظيره يفيد تقريب التمثيل لقوم لم يشاهدوا سيول الأودية من سكان القرى مثل أهل مكّة وهم المقصود ، فقد كان لهم في مكة صواغون كما دل عليه حديث الإذخر ، فقرب إليهم تمثيل عدم انتفاعهم بما انتفع به غيرهم بمثل ما يصهر من الذهب والفضة في البواتق فإنه يقذف زبدا ينتفي عنه وهو الخبث وهو غير صالح لشيء في حين صلاح معدنه لاتخاذه حلية أو متاعا. وفي الحديث «كما ينفي الكير خبث الحديد». فالكلام من قبيل تعدّد التشبيه القريب ، كقوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) ثم قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) [سورة البقرة : ١٩].
وأقرب إلى ما هنا قول لبيد :
فتنازعا سبطا يطير ظلاله |
|
كدخان مشعلة يشبّ ضرامها |
مشمولة غلثت بنابت عرفج |
|
كدخان نار ساطع إسنامها |
وأفاد ذلك في هذه الآية قوله : (زَبَدٌ مِثْلُهُ).
وتقديم المسند على المسند إليه في هذه الجملة للاهتمام بالمسند لأنّه موضع اعتبار أيضا ببديع صنع الله تعالى إذ جعل الزبد يطفو على أرقّ الأجسام وهو الماء وعلى أغلظها وهو المعدن فهو ناموس من نواميس الخلقة ، فبالتقديم يقع تشويق السامع إلى ترقب المسند إليه.
وهذا الاهتمام بالتشبيه يشبه الاهتمام بالاستفهام في قول النبي صلىاللهعليهوسلم في وصف جهنم «فإذا فيها كلاليب مثل حسك السعدان هل رأيتم حسك السعدان».
وعدل عن تسمية الذهب والفضة إلى الموصولية بقوله تعالى : ومما توقدون عليه