المفاعيل في المقام الخطابي ، أي إن تعجب من شيء فعجب قولهم. ويجوز أن تكون جملة (وَإِنْ تَعْجَبْ) إلخ عطفا على جملة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)[سورة الرعد : ١]. فالتقدير : إن تعجب من عدم إيمانهم بأن القرآن منزل من الله ، فعجب إنكارهم البعث.
وفائدة هذا هو التشويق لمعرفة المتعجب منه تهويلا له أو نحوه ، ولذلك فالتنكير في قوله : (فَعَجَبٌ) للتنويع لأن المقصود أن قولهم ذلك صالح للتعجيب منه ، ثم هو يفيد معنى التعظيم في بابه تبعا لما أفاده التعليق بالشرط من التشويق.
والاستفهام في (أَإِذا كُنَّا تُراباً) إنكاري ، لأنهم موقنون بأنهم لا يكونون في خلق جديد بعد أن يكونوا ترابا. والقول المحكي عنهم فهو في معنى الاستفهام عن مجموع أمرين وهما كونهم : ترابا ، وتجديد خلقهم ثانية. والمقصود من ذلك العجب والإحالة.
وقرأ الجمهور : (أَإِذا كُنَّا) بهمزة استفهام في أوله قبل همزة (إِذا). وقرأه ابن عامر بحذف همزة الاستفهام.
وقرأ الجمهور : (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) بهمزة استفهام قبل همزة (إِنَّا). وقرأه نافع وابن عامر وأبو جعفر بحذف همزة الاستفهام.
والإشارة بقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) للتنبيه على أنهم أحرياء بما سيرد بعد اسم الإشارة من الخبر لأجل ما سبق اسم الإشارة من قولهم : (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) بعد أن رأوا دلائل الخلق الأول فحق عليهم بقولهم ذلك حكمان : أحدهما أنهم كفروا بربهم لأن قولهم : (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) لا يقوله إلا كافر بالله. أي بصفات إلهيته إذ جعلوه غير قادر على إعادة خلقه ؛ وثانيهما استحقاقهم العذاب.
وعطف على هذه الجملة جملة (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) مفتتحة باسم الإشارة لمثل الغرض الذي افتتحت به الجملة قبلها فإن مضمون الجملتين اللتين قبلها يحقق أنهم أحرياء بوضع الأغلال في أعناقهم وذلك جزاء الإهانة. وكذلك عطف جملة (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
وقوله : (الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) وعيد بسوقهم إلى الحساب سوق المذلة والقهر ، وكانوا يضعون الأغلال للأسرى المثقلين ، قال النابغة :
أو حرّة كمهاة الرمل قد كبلت |
|
فوق المعاصم منها والعراقيب |