[٧٨ ، ٧٩] (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ (٧٩))
نادوا بوصف العزيز إمّا لأنّ كلّ رئيس ولاية مهمة يدعى بما يرادف العزيز فيكون يوسف ـ عليهالسلام ـ عزيزا ، كما أن رئيس الشرطة يدعى العزيز كما تقدم في قوله تعالى : (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) [سورة يوسف : ٣٠] ؛ وإما لأن يوسف ضمت إليه ولاية العزيز الذي اشتراه فجمع التصرفات وراجعوه في أخذ أخيهم.
ووصفوا أباهم بثلاث صفات تقتضي الترقيق عليه ، وهي : حنان الأبوة ، وصفة الشيخوخة ، واستحقاقه جبر خاطره لأنه كبير قومه أو لأنه انتهى في الكبر إلى أقصاه ؛ فالأوصاف مسوقة للحث على سراح الابن لا لأصل الفائدة لأنهم قد كانوا أخبروا يوسف ـ عليهالسلام ـ بخبر أبيهم.
والمراد بالكبير : إما كبير عشيرته فإساءته تسوؤهم جميعا ومن عادة الولاة استجلاب القبائل ، وإما أن يكون (كَبِيراً) تأكيدا ل (شَيْخاً) أي بلغ الغاية في الكبر من السن ، ولذلك فرّعوا على ذلك (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) ، إذ كان هو أصغر الإخوة ، والأصغر أقرب إلى رقة الأب عليه.
وجملة (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) تعليل لإجابة المطلوب لا للطلب. والتقدير : فلا تردّ سؤالنا لأنّا نراك من المحسنين فمثلك لا يصدر منه ما يسوء أبا شيخا كبيرا.
والمكان : أصله محل الكون أي ما يستقر فيه الجسم ، وهو هنا مجاز في العوض لأن العوض يضعه آخذه في مكان الشيء المعوّض عنه كما في الحديث «هذه مكان حجتك». و (مَعاذَ) مصدر ميمي اسم للعوذ ، وهو اللجأ إلى مكان للتحصن. وتقدم قريبا عند قوله : (قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) [سورة يوسف : ٢٣].
وانتصب هذا المصدر على المفعولية المطلقة نائبا عن فعله المحذوف. والتقدير : أعوذ بالله معاذا ، فلما حذف الفعل جعل الاسم المجرور بباء التعدية متصلا بالمصدر بطريق الإضافة فقيل : معاذ الله ، كما قالوا : سبحان الله ، عوضا عن أسبح الله. والمستعاذ