للصحابة بخاصة حاطب بن أبي بلتعة الذي ألقى بالمودة للمشركين ، والمراد بالذين مع ابراهيم كل من سار على سيرته وعمل بشريعته ، سواء أكان في أيامه أم بعدها ، فالمعروف انه ما آمن من قوم ابراهيم إلا لوط ، والمعنى ان خليل الرحمن (ع) ومن آمن به قد لاقوا الكثير من المشركين حتى الهجرة من الأوطان ومفارقة الأهل والأولاد تماما كما لاقى رسول الله والصحابة ، وقد صبر ابراهيم والذين معه ، ولم يكترثوا بما خلّفوه من الأهل والأموال ، فعليكم أنتم يا أصحاب الرسول أن تقتدوا بالذين آمنوا بإبراهيم ، ولا تكترثوا بالأهل والمال وتصانعوا المشركين لأجل ذلك.
(إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ). قال الذين مع ابراهيم للكافرين من قومهم : لا جامع بيننا ولا صلة تربطنا بكم ، أنتم أعداؤنا الى آخر يوم ما دمتم أعداء لله تعبدون من دونه الأصنام والكواكب.
(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ). كأن سائلا يسأل : كيف أخبر سبحانه ان ابراهيم والذين معه قد تبرأوا من قومهم المشركين مع ان ابراهيم نفسه (قالَ ـ لأبيه ـ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) ـ ٤٧ مريم. فأجاب سبحانه بأن ابراهيم انما استغفر لأبيه لأن أباه كان قد وعده بأن يؤمن برسالته ، فلما تبين له أن أباه مصر على الشرك تبرأ منه كما جاء في الآية ١١٤ من سورة التوبة : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ ـ من أبي ابراهيم ـ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ). هذا ، الى ان ابراهيم قال لأبيه : اني لا أملك لك من الله شيئا ، فإن الأمر كله بيد الله وحده.
ثم بيّن سبحانه كيف انصرف ابراهيم والذين معه عن قومهم وأوطانهم ، والتجأوا الى الله وقالوا : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا). ومن توكل عليه كفاه (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا). رجعنا اليك فيما أهمنا من أمر الدنيا (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) في الآخرة للحساب والجزاء (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا). لا تسلط علينا شرار خلقك ، فيبتلونا بمحن لا نقوى على حملها (وَاغْفِرْ لَنا) ما سلف من ذنوبنا (رَبَّنا إِنَّكَ