على التقديرين ، وهو ان الله سبحانه يجزي المحسنين خيرا في الدنيا ، ولو بالذكر الجميل (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) من نعيم الدنيا المشوب بالهمّ والكدر ، والمحدود كما وكيفا (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) لأنها دار الهناء الدائم الذي لا تشوبه شائبة من همّ وعناء.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ). لا يدخل هذه الجنة العظمى الا المتقون ، وهم الذين جاهدوا لنصرة الحق ، وصبروا لتحمّل الأذى من أجله ، وقد نص القرآن بوضوح على هذا التحديد للمتقين في الآية ١٤٢ من سورة آل عمران : «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين». أنظر ج ٢ ص ١٦٥ ، وج ١ ص ٢٤٢ فقرة «ثمن الجنة».
(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) في مقاصدهم ، وطيبين في أفعالهم وأقوالهم ، وبالخاتمة يقاس الإنسان ، والسعيد من فارق هذه الحياة والله راض عنه ، ويشهد له بأنه من الطيبين الأخيار (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). ضمير يقولون للملائكة ، وخطاب عليكم للمؤمنين المتقين .. تسلم ملائكة الرحمة على الطيبين عند الموت ، وتبشرهم بالجنة ، ليطمئنوا ويستبشروا بما أعد الله لهم من الكرامة وعظيم المنزلة.
(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ). مر نظيره في الآية ١٥٨ من سورة الأنعام ج ٣ ص ٢٨٩ (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). هذا تذكير وتحذير للذين كذبوا محمدا (ص) أن يصيبهم ما أصاب الأمم الخالية الذين كذبوا رسلهم (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) .. حاشا .. كيف؟ .. وقد نهى عن الظلم ، ونعت الظالمين بالضلال في الآية ١١ من سورة لقمان «بل الظالمون في ضلال مبين». ولعنهم في الآية ٤٤ من سورة الأعراف : (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ).
(وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) تكرر هذا المعنى في العديد من الآيات ، وأوضحها جميعا الآية ٤٤ من سورة يونس : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). كرر سبحانه لفظ الناس دفعا لكل شبهة ، ولولا قول الأشاعرة ـ أي السنة ـ : ان الإنسان مسيّر ، لا مخيّر لكنا في غنى عن هذا التطويل أو التأكيد الذي هو أشبه بتوضيح الواضحات.