وظلوا على هذا التكذيب بعد مجيء الرسل وإنذارهم ، تماما كما كانوا مصرين على التكذيب بالوحدانية والبعث قبل مجيء الرسل اليهم ، وهذا هو المراد بقوله : (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ). وبكلمة انهم لم ينتفعوا بعلم الرسل وهدايتهم.
(كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ). وتسأل : إذا كان الله هو الذي طبع على قلوبهم فكيف يعذبهم؟.
الجواب : لقد شاء الله سبحانه أن يكون للهداية طريقها الخاص ، وهو اتباع رسله ، وللضلالة طريقها كذلك ، وهو اتباع الهوى ، فمن مضى على طريق الرسل بلغ الهدى ، وكان حتما من المهتدين : ومن مضى على طريق الهوى فهو حتما من الضالين المعتدين ، تماما كما قدر الله جل وعز أن من رمى بنفسه من علو شاهق فهو من الهالكين ، وان من ألقى بها في البحر جاهلا بفن السباحة فهو من الغارقين ، وبهذا الاعتبار أي ارتباط الطريقين بمشيئة الله صح اسناد الطبع والختم اليه تعالى ، وسبق الكلام عن ذلك أكثر من مرة ، وبعبارات شتى.
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) هذا الضمير يعود إلى الرسل الذين جاءوا بعد نوح (ع) (مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا) وهي المعجزات كالعصا واليد البيضاء ، وقوله : (بَعَثْنا) يدل بوضوح على ان هرون نبي مرسل تماما كأخيه موسى ، وقيل : ان هرون يكبر موسى بثلاث سنوات (فَاسْتَكْبَرُوا) عن قبول الحق (وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) وكل من استنكف عن قبول الحق والرضوخ له فهو مجرم (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) وهو المعجزات التي أظهرها الله على يد موسى (ع) (قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) وهكذا قال مشركو قريش عن محمد (ص) لما جاءهم بالقرآن واعجازه .. ومحال ان يسلم المصلح من افتراءات المفسدين ، وهم يكيفونها بحسب الزمن ، كان الناس من قبل يؤمنون بالسحر ، فقال المفترون عن المصلح : انه ساحر ، أما اليوم حيث لا ايمان بالسحر فإنهم يقولون عنه فوضوي خارج على النظام!.