(فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ). ان الشيء الذي لم يكن يعلمه نوح (ع) هو ما كتب الله لابنه من الغرق ، لأن الله سبحانه قد طوى العلم بغرقه عن أبيه أول الأمر لمصلحة اقتضت ذلك ، ولما سأل نوح ربه عن ابنه قال له : لا تسألني عما طويت علمه عنك قبل الغرق ، ولا تطالبني بابنك اني أعظك أن تكون من الجاهلين ، أي ان طالبت به فأنت من الجاهلين (قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ). أي لا اسألك عن ابني ولا أطالبك به بعد ان اعلمتني الحقيقة ، بل أرضى (١) بحكمك وقضائك (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ). هذا مجرد خشوع من نوح لله تعالى ، وليس استغفارا من ذنب وقع ، كما هو شأن الأنبياء والصلحاء ، وتكلمنا عن ذلك في ج ٢ ص ٢٧٧.
(قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ). لما انتهى الطوفان ، وأغرق الله المشركين أمر الله نوحا ان يهبط الى الأرض هو ومن معه بسلام وبركات في المعايش والأرزاق ، ينتشرون هنا وهناك أمما مستقلا بعضها عن بعض ، ثم يتناسل منهم أمم آخرون كقوم عاد وثمود يمتعهم قليلا في الدنيا ، ثم يمسهم العذاب بكفرهم وعصيانهم.
تقول الاسطورة : ان نوحا هبط بسفينته الى الأرض يوم عاشوراء ، فصام شكرا لله ، وكان قد فرغ منه الزاد ، فجمع كفا من حمص ومثله من عدس ، ومثله من حنطة حتى صارت سبعة حبوب ، فطبخها نوح وأكلوا منها جميعا حتى شبعوا ، فشاعت هذه الأسطورة واتخذها الناس في بعض البلاد سنّة يوم عاشوراء.
__________________
(١). اضطربت اقوال كثير من المفسرين هنا حيث فهموا من الآية ان الله يقول لنوح : لا تسألني ، ونوح يقول له: انا ما سألتك فكيف تقول لي : لا تسألني؟. ثم أخذوا يؤولون بالوهم والخيال ، ومما ذكرناه يتبين ان الآية واضحة لا تحتاج الى التأويل.