الأعم الأغلب .. حيث يشذ بعض الموارد عن الأسباب المألوفة ، فيسميها البعض بتوفيق من الله ، والبعض الآخر بالصدفة أو الحظ .. ولكن لا أحد يستطيع القول : ان القضاء والقدر يعاكس بعض الناس في كل شيء ، ويحول أبدا ودائما بينهم وبين ثمرة جهدهم وأعمالهم ، وانه يحالف آخرين ويناصرهم في كل شيء ، ويحقق لهم أكثر مما يأملون ، وفوق ما كانوا يتصورون من غير سعي وجد .. لا أحد يستطيع أن يثبت ذلك ، والا بطلت المقاييس ، وتخلفت المسببات عن أسبابها ، وكان العمل والتحفظ والإتقان ألفاظا بلا معنى.
وتسأل : ان قولك هذا لا يتفق مع ظاهر الآية ، وهي قوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ)؟.
الجواب : ان الناس في حياتهم وواقعهم فريقان : فريق موسع عليهم في الرزق ، وفريق مضيق عليهم فيه ، وكل من الغنى والفقر يتولد من أسبابه الخاصة التي أشرنا اليها ، وقوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) هو وصف لواقع الناس ، وحكاية لحالهم التي هم عليها ، فكأنه يقول : الناس فريقان : غني وفقير .. وأضاف سبحانه الفقر والغنى اليه لتنبيه الأذهان انه تعالى هو خالق الكون الذي فيه شقاء وهناء ، وبؤس ونعيم .. وإذا سأل سائل : ولما ذا لم يخلق كونا لا شقاء فيه ولا بؤس أحلناه على ما كتبنا بعنوان : «ليس بالإمكان أبدع مما كان» عند تفسير الآية ٧٨ من النساء ج ٢ ص ٣٨٤.
(وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ). تقدم نظيره مرات ، منها في الآية ١٨٥ من سورة آل عمران ج ٢ ص ٢٢٤ ، ونعطف على ما ذكرنا هناك ان فريقا من الناس يفرحون بالمال لأنه يستر عيوبهم وقبائحهم ، وكثير منهم لا يرون الفضيلة والخير الا في المال والثراء ، والمعروف عن الأمريكيين انهم لا ينظرون الى شيء الا من خلال الدولار ، وبه وحده يقيسون عظمة الرجال ، حتى العلماء والعباقرة قيمتهم ما في جيوبهم ، لا ما في رؤوسهم.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ). مر نظيره في الآية ١١٨ من سورة البقرة ج ١ ص ١٨٩ ، والآية ٣٧ من سورة الأنعام ج ٣ ص ١٨٤ ، والآية ٢٠ من سورة يونس وبالحرف الواحد من السورة التي نحن فيها الآية ٧.