ثم شبّه الحق بالماء والباطل بالزبد في الآية ١٧ ـ بعد هذا ذكر هنا ان من يؤمن بمحمد فهو البصير المحق ، ومن كفر به فهو الضال الأعمى ، وأخبر تعالى عن هذه الحقيقة بصيغة الاستفهام لتقريع المنكر وتوبيخه (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) الذين يصغون لصوت العقل ، ومن لا يصغي اليه الا إذا وافق هواه فهو كمن لا عقل له. ثم ذكر سبحانه أوصاف أولي الألباب ، وهي تدل بوضوح على ان المراد بأولي الألباب المؤمنون المتقون.
١ ـ (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ). وكل ما قام عليه الدليل فهو عهد الله ، وعلى الإنسان أن يعمل بمؤداه .. ولكن الأبالسة يحرّفون الحقائق على أهوائهم ، ثم ينسبون هذه الأهواء الشيطانية الى الله والحق .. تعالى الله عما يصف المفترون (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) هذا تأكيد لقوله : يوفون بعهد الله ، حيث يلزم من الوفاء بالعهد انتفاء نقضه ونقيضه.
٢ ـ (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ). ذكر المفسرون أقوالا في تفسير ما أمر الله به أن يوصل ، وأقربها الى روح الإسلام ومبادئه قول من قال : ان المراد به مناصرة الإنسان لأخيه الإنسان ، والتعاون معه على كشف الضر عنه ، وجلب النفع له قريبا كان أو بعيدا.
٣ ـ (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) عمليا لا نظريا ، وفعلا لا قولا فقط ، قال الإمام علي : بالايمان يستدل على الصالحات ، وبالصالحات يستدل على الايمان.
٤ ـ (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ). يجاهدون في سبيل الله ، ويصبرون على جراح الجهاد وآلامه ، لا يبتغون جزاء ولا شكورا الا مرضاة الله وحده.
٥ ـ (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) التي أولها التكبير : الله أكبر ، لا كبير سواه كائنا من كان ، والكل لديه سواء ، وآخرها التهليل والتسليم ، لا إله الا هو ولا يعبد سواه ، فلا المال ولا الجاه ولا الأنساب آلهة تعبد ، ولا قوة يخضع لها الا قوة الله وحده لا شريك له.
٦ ـ (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً). المال هو المحك .. أنظر ما كتبناه تحت هذا العنوان في تفسير الآية ٩٢ من سورة آل عمران ج ٢ ص ١٠٧.