والتزوير ، ومن هنا كان الحق غالي الثمن ، كثير التكاليف على من يتبعه ويستمسك به.
وقد ضرب الله مثلا على هذه الحقيقة بيوسف ، راودته امرأة العزيز عن نفسه ، فأبى واستعصم بتقوى الله ، فهددته بالسجن ان لم يفعل ، فأصر ولم يفعل ، وقال : ربّ السجن أحب إليّ ، فسجن ودفع الثمن غاليا من نفسه ، لأن الدين أثمن وأغلى .. ولكن الذين يصارعون الحق يلقون السلاح في النهاية ، ويستسلمون للمحقين رغم أنوفهم ، تماما كما حدث لاخوة يوسف وامرأة العزيز.
٢ ـ ان قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) يعطينا ضابطا عاما ، ومقياسا صحيحا للتمييز بين المؤمن وغير المؤمن .. فمن استجاب لهذا البرهان ساعة الابتلاء والامتحان ، كما استجاب له يوسف الصديق ، فهو من الذين استقر الايمان واليقين في قلوبهم حقا وصدقا ، ومن اندفع وراء رغبته وشهوته ، وتجاهل برهان ربه وأمره بطاعته فما هو من الدين والايمان في شيء.
٣ ـ ان الأخيار يقاسون ، ولا شك ، الكثير من الرزايا والخطوب إذا ألقى بهم الدهر في بيئة ظالمة في نظامها ، فاسدة في أوضاعها .. ولكن إذا تعقدت المشاكل ، واستعصى الحل على الجميع اضطروا والتجأوا الى الاكفاء متضرعين ، كما التجأ ملك مصر الى يوسف ، وهو في سجنه ليقي البلاد من شر السنين العجاف .. ان الأوضاع الفاسدة ترفع من شأن الأشرار الفاسدين ، وتحط من شأن الطيبين ، ولكن الشدائد تظهر كلا على حقيقته ، وتضعه في موضعه.
٤ ـ ان ترويض النفس على الاحتمال في سبيل الحق يأتي بأحسن النتائج وأفضلها : فلقد صبر يوسف الصديق على البئر والسجن ، والبيع كالعبيد ، والتهمة بالخيانة ، فكانت النتيجة ان أصبح السيد المطاع ، يقول له الملك : انك اليوم لدينا مكين أمين ، ويقف اخوته بين يديه منكسرين مسترحمين : تصدق علينا ان الله يحب المتصدقين ، وفي النهاية يخرون له ساجدين ..
هذا عرض سريع لبعض العظات والعبر في هذه السورة الكريمة ، ومن أحب التفصيل فليقرأها كاملة مع التفسير.