الحالين؟. لا هذه ولا تلك ، فقد كان باب الطاعة مفتوحا أمامه حين عصى ، أما الآن فلا طاعة ولا عصيان ، إذ لا ارادة ولا اختيار .. وهذا هو شأن الخسيس اللئيم يتعاظم عند النعماء ، ويتصاغر عند البأساء.
والتاريخ يعيد نفسه ، وأعني بذلك سنة الله في خلقه التي أشار اليها مؤكدا بقوله : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) ـ ٤٣ فاطر». وإسرائيل اليوم تسير بمساندة الاستعمار على سنة فرعون بالذات.
كان فرعون يذبح أبناء بني إسرائيل ، ويستحيي نساءهم ، وفعلت إسرائيل بأبناء الشعب الفلسطيني أكثر بكثير مما فعله فرعون.
وقال فرعون : أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟. وقالت إسرائيل : أليست لي فلسطين وخيراتها ، ومعها مرتفعات الجولان ، والضفة الغربية؟.
وقال فرعون : أنا ربكم الأعلى. وقالت ربيبة الاستعمار وحربته ، «لا غالب لي اليوم». ولم تمض الأيام ، حتى بدأت سنة الله تعمل عملها ، فمن إغراق ايلات الى موقعة الكرامة ، ومن تدمير مواقع الصواريخ لاسرائيل إلى عمل الفدائيين الذي اضطر «دايان» الى القول : على اليهود ان يستعدوا لتوسيع قبورهم .. وسيقول عاجلا أو آجلا : آمنت بالذي آمن به العرب والمسلمون ، تماما كما قال فرعون من قبل : آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل ، لأنها سارت على نفس الطريق الذي سار عليه ، وستكون نهايتها نهايته لا محالة.
وقد يقول قائل : ان الصراع مع إسرائيل طويل ومركز. ونقول في جوابه أجل ، ولكن النصر النهائي لأصحاب الحق مهما طال الزمن ، والتاريخ البعيد والقريب يشهد بهذه الحقيقة من عهد فرعون وهامان الى عهد هتلر وموسيليني.
(آلْآنَ) بعد أن فات ما فات تقول : آمنت (وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) حيث كان الخيار بيدك في التوبة والرجوع الى الحق ، ولكنك طغيت وبغيت (وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فذق جزاء عملك بالغرق والهلاك (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) لا بروحك ونلقي بجثتك على نجوة من الأرض ليشاهدها من كان يعظم من شأنك (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) يتعظ بها كل من تحدثه نفسه بالسير على طريق الفساد ..