العصر الأموي والعصر العباسي ، وما تلاهما (١) ومن أجل اضطرار الشيعة الى الأخذ بالتقية كثيرا أو أكثر من غيرهم اهتم بها فقهاؤهم ، وذكروها في مناسبات شتى في كتب الفقه ، وحددوا مفهومها ، وبينوا قيودها وحدودها ، متى تجوز؟ ومتى لا تجوز .. وخلاصة ما قالوه : انها تجوز لرفع الضرر عن النفس ، ولا تجوز لجلب المنفعة ، ولا لادخال الضرر على الغير.
أما من خصّ التقية بالشيعة فقط ، وشنّع بها عليهم فهو اما جاهل ، واما متحامل ، ومهما يكن ، فلا موضوع اليوم ولا موجب للعمل بالتقية من غير فرق بين السنة والشيعة فتوى وعملا بعد أن ولّى زمن الخوف والاضطهاد.
(وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ). أي ذاته التي تعلم كل شيء ، وتقدر على كل شيء ، وتجازي كل انسان حسب عمله. (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ). والمرجع ، وهناك توفى كل نفس ما عملت.
(قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). بعد ان أجاز سبحانه التقية ، ورخّص بها للمضطر قال : ان المعول عند الله على ما في القلوب ، وهو يعلم ما تنطوي عليه ، سواء أسررتم ، أم أعلنتم.
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً). لما كان الله سبحانه عالما بكل شيء ، وقادرا على كل شيء ، وجامع الناس ليوم لا ريب فيه ، وعادلا لا يظلم أحدا ، لما كان كذلك نحتم أن يجد كل انسان في ذاك اليوم جزاء عمله.
وقال البعض : ان الإنسان غدا يرى عمله مجسما في تمثال جميل مؤنس ان كان خيرا ، وقبيح موحش ان كان شرا .. ويلاحظ ان العمل من الأمور العرضية التي لا تبقى ، ولا يمكن إعادتها ورؤيتها ، فيتعين أن يكون المراد ان الإنسان يوم القيامة يرى جزاء عمله ، لا عمله بالذات.
__________________
(١) انظر كتابنا «الشيعة والحاكمون» وكتاب «مقاتل الطالبيين». وأول الجزء الثالث من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد .. وستجد في هذه الكتب ألوانا من اضطهاد الحكام للشيعة لا يتصورها العقل.