وثالثةً : بأنّ المفهوم مفاده أنّ خبر العادل لا حاجة إلى التبيّن بشأنه ؛ لأنّه بيِّن واضح ، وهذا يعني افتراضه بمثابة الدليل القطعيّ ، والأمر بالتعامل معه على أساس أنّه بيّن ومعلوم ، وبهذا يخرج عن موضوع عموم التعليل ؛ لأنّ العموم في التعليل موضوعه عدم العلم. فإذا كان خبر العادل واضحاً بيّناً بحكم الشارع فهو علم ولا يشمله التعليل.
ومنها : آية النفر ، وهي قوله تعالى : (وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلِيْهِم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون) (١).
وتقريب الاستدلال بها : أنّها تدلّ على مطلوبيّة التحذر عند الإنذار بقرينة وقوع الحذر موقع الترجّي بدخول لعلّ عليه ، وجعله غاية للإنذار الواجب ، ومقتضى الإطلاق كون التحذّر واجباً عند الإنذار ولو لم يحصل العلم من قول المنذر ، وهذا يكشف عن حجّية إخبار المنذر.
والجواب على ذلك :
أوّلاً : أنّ وجوب التحذّر عند الإنذار لا يكشف عن كون الحذر الواجب بملاك حجّية خبر المنذر ؛ وذلك لأنّ الإنذار يفترض العقاب مسبقاً ، وكون الحكم منجَّزاً بمنجّزٍ سابقٍ ، كالعلم الإجمالي ، أو الشكّ قبل الفحص ، ولا يصدق عنوان الإنذار على الإخبار عن حكمٍ لا يستتبع عقاباً إلاّبسبب هذا الإخبار.
وثانياً : لو سلّمنا أنّ خبر المنذر بنفسه كان منجّزاً فهذا لا يساوق الحجّية بمعناها الكامل ؛ لِمَا سبق من أنّ أيّ دليلٍ احتماليٍّ على التكليف فهو ينجّزه بحكم العقل ، فغاية ما تفيده الآية الكريمة أنّها تنفي جعل أصالة البراءة شرعاً في موارد
__________________
(١) التوبة : ١٢٢