ثمّ إنّ العِدلين في موارد الوجوب التخييريّ يجب أن يكونا متباينين ، ولا يمكن أن يكونا من الأقلّ والأكثر ؛ لأنّ الزائد حينئذٍ ممّا يجوز تركه بدون بديل ، ولا معنى لافتراضه واجباً ، فالتخيير بين الأقلّ والأكثر في الإيجاب غير معقول.
ويشابه ما تقدّم : الحديث عن الوجوب الكفائيّ ، وهل هو وجوب موجّه إلى جامع المكلّف ، أو وجوبات متعدّدة بعدد أفراد المكلّفين ، غير أنّ الوجوب على كلّ فردٍ مشروط بترك الآخرين؟
التخيير العقليّ في الواجب :
حينما يأمر المولى بطبيعيّ فعلٍ على نحو صرف الوجود والإطلاق البدليّ ، فيقول : «أكرم زيداً» ـ والإكرام له حصص ـ فالتخيير بين الحصص عقليّ لا شرعيّ ، كما تقدّم. وإذا اختار المكلّف أن يكرمه بإهداء كتابٍ له لا يكون اختيار المكلّف لهذه الحصّة من الإكرام موجباً للكشف عن تعلّق الوجوب بها خاصّةً ، بل الوجوب بمبادئه متعلّق بالطبيعيّ الجامع ، ولهذا لو أتى المكلّف بحصّةٍ اخرى لكان ممتثلاً أيضاً.
وبهذا صحّ أن يقال : إنّ تلك الحصّة ليست متعلّقاً للأمر ، وإنّما هي مصداق لمتعلّق الأمر ، وإنّ متعلّق الأمر نسبته إلى سائر الحصص على نحوٍ واحد ، والوجوب لا يسري من الجامع إلى الحصّة بمجرّد تطبيق المكلّف ؛ لأنّ استقرار الوجوب على متعلّقه إنّما هو بالجعل ، والمفروض أنّه قد جعل على الطبيعيّ الجامع الملحوظ بنحو صرف الوجود.
وخلافاً لذلك ما إذا أمر المولى بالطبيعيّ على نحو الإطلاق الشموليّ ، أو العموم ومطلق الوجود ، فقال : «أكرم زيداً بكلّ أشكال الإكرام» فإنّ كلّ شكلٍ منها يعتبر متعلّقاً للوجوب ، وليس مجرّد مصداقٍ للمتعلّق ، فالوجوب هنا يتعدّد