وعلى خلاف ذلك الاصول العمليّة تنزيليّةً أو غيرها ، فإنّها لمّا كانت مبنيّةً على ملاحظة نوع المؤدّى ـ كما تقدّم ـ فلا يمكن أن يستفاد من دليلها إسراء التعبّد إلى كلّ اللوازم إلاّبعنايةٍ خاصّةٍ في لسان الدليل.
ومن هنا قيل : إنّ الاصول العمليّة ليست حجّةً في مثبتاتها (١) ، أي في مدلولاتها الالتزاميّة ، وسيأتي تفصيل الكلام عن ذلك في أبحاث الاصول العمليّة (٢) إن شاء الله تعالى.
تبعيّة الدلالة الالتزاميّة للمطابقيّة :
عرفنا أنّ الأمارات حجّة في المدلول المطابقيّ والمدلول الالتزاميّ معاً ، والمدلول الالتزاميّ : تارةً يكون مساوياً للمدلول المطابقيّ ، واخرى يكون أعمَّ منه ، ففي حالة المساواة إذا علم بأنّ المدلول المطابقيّ باطل فقد علم ببطلان المدلول الالتزاميّ أيضاً ، وبذلك تسقط الأمارة بكلا مدلولَيها عن الحجّية. وأمّا إذا كان اللازم أعمّ وبطل المدلول المطابقيّ فالمدلول الالتزاميّ يظلّ محتملاً.
ومن هنا يأتي البحث التالي ، وهو : أنّ حجّية الأمارة في إثبات المدلول الالتزاميّ هل ترتبط بحجّيتها في إثبات المدلول المطابقيّ ، أوْ لا؟
فالارتباط يعني أنّها إذا سقطت عن الحجّية في المدلول المطابقيّ ، للعلم ببطلانه ـ مثلاً ـ سقطت أيضاً عن الحجّية في المدلول الالتزاميّ ، وهو معنى التبعيّة.
وعدم الارتباط يعني أنّ كلاًّ من الدلالة المطابقيّة والدلالة الالتزاميّة حجّة ما لم يعلم ببطلان مفادها بالخصوص ، ومجرّد العلم ببطلان المدلول المطابقيّ لا يوجد
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٤٨٧
(٢) سوف يأتي ضمن بحث الاستصحاب ، تحت عنوان : مقدار ما يثبت بالاستصحاب