الاعتراضات على أدلّة البراءة :
ويوجد هناك اعتراضان رئيسيّان على أدلّة البراءة المتقدّمة :
أحدهما : أنّ هذه الأدلّة إنّما تشمل حالة الشكّ البدويّ ، ولا تشمل حالة الشكّ المقترن بعلم إجماليّ ، كما تقدّم في الحلقة السابقة (١) ، والفقيه حينما يلحظ الشبهات الحكميّة ككلٍّ يوجد لديه علم إجماليّ بوجود عددٍ كبير من التكاليف المنتشرة في تلك الشبهات ، فلا يمكنه إجراء أصل البراءة في أيّ شبهةٍ من تلك الشبهات.
والجواب : أنّ العلم الإجماليّ المذكور وإن كان ثابتاً ولكنّه منحلٌّ ؛ لأنّ الفقيه من خلال استنباطه وتتبّعه يتواجد لديه علم تفصيليّ بعددٍ محدّدٍ من التكاليف لا يقلّ عن العدد الذي كان يعلمه بالعلم الإجماليّ في البداية ، ومن هنا يتحوّل علمه الإجماليّ إلى علمٍ تفصيليٍّ بالتكليف في هذه المواقع ، وشكٍّ بدويٍّ في التكليف في سائر المواقع الاخرى. وقد تقدّم في حلقةٍ سابقةٍ (٢) أنّ العلم الإجمالي إذا انحلّ إلى علمٍ تفصيليٍّ وشكٍّ بدويٍّ بطلت منجّزيّته ، وجرت الاصول المؤمّنة خارج نطاق العلم التفصيلي.
والاعتراض الآخر : أنّ أدلّة البراءة معارضة بأدلّةٍ شرعيّةٍ ورواياتٍ تدلّ على وجوب الاحتياط ، وهذه الروايات : إمّا رافعة لموضوع أدلّة البراءة ، وإمّا مكافئة لها ، وذلك أنّ هذه الروايات بيان لوجوب الاحتياط ، لا للتكليف الواقعيّ المشكوك. فدليل البراءة إن كانت البراءة فيه مجعولةً في حقّ من لم يتمّ عنده البيان
__________________
(١) مضى الحديث عنه تحت عنوان : منجزية العلم الإ جمالي
(٢) مضى في الحلقة الاولى تحت عنوان : انحلال العلم الإ جمالي