التصديقيّتان الاولى والثانية فمنشؤهما الظهور الحاليّ والسياقيّ للكلام ، لا الوضع.
الوضع التعيينيّ والتعيّني :
وقد قسّم الوضع من ناحية سببه إلى تعيينيٍّ وتعيّني :
فقيل (١) : إنّ العلاقة بين اللفظ والمعنى إن نشأت من جعلٍ خاصٍّ فالوضع تعيينيّ ، وإن نشأت من كثرة الاستعمال بدرجةٍ توجب الالفة الكاملة بين اللفظ والمعنى فالوضع تعيّني.
ويلاحظ على هذا التقسيم : بأنّ الوضع إذا كان هو الاعتبار أو التعهّد فلا يمكن أن ينشأ عن كثرة الاستعمال مباشرةً ؛ لوضوح أنّ الاستعمال المتكرّر لا يولِّد بمجرّده اعتباراً ولا تعهّداً ، فلا بدّ من افتراض أنّ كثرة الاستعمال تكشف عن تكوّن هذا الاعتبار أو التعهّد ، فالفرق بين الوضعين في نوعيّة الكاشف عن الوضع.
وهذه الملاحظة لا ترد على ما ذكرناه في حقيقة الوضع من أنّه «القرن الأكيد» بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى ، فإنّ حالة القرن الأكيد تحصل بكثرة الاستعمال أيضاً ؛ لأنّها تؤدّي إلى تكرّر الاقتران بين تصوّر اللفظ وتصوّر المعنى ، فيكون القرن بينهما أكيداً بهذا التكرّر إلى أن يبلغ إلى درجةٍ تجعل أحد التصوّرين صالحاً لتوليد التصوّر الآخر ، فيتمّ بذلك الوضع التعيّني.
توقّف الوضع على تصوّر المعنى :
ويشترط في كلّ وضعٍ يباشره الواضع : أن يتصوّر الواضع المعنى الذي يريد أن يضع اللفظ له ؛ لأنّ الوضع بمثابة الحكم على المعنى واللفظ ، وكلّ حاكمٍ لا بُدّ له من
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ٢٤