فلم يبق إلا ذكره وحديثه |
|
تبكي (١) عليه بالعويل حلائله |
ثم خرج إلى طوس ، فلما نزل حلوان العراق هاج به الدم ، فأجمع المتطببون أن دواءه الجمار (٢) ، فوجه إلى دهقان حلوان ، فسأل عن النخل ، فقال : ليس بهذا البلد نخلة إلا النخلتان اللتان على عقبة حلوان ، فوجه إليهما من قطع إحداهما ، فأكل هارون جمّارها ، فسكن عنه الدم ، فترحل ، فمر عليهما ، فرأى على القائمة منهما مكتوبا (٣) :
أسعداني يا نخلتي حلوان |
|
وابكيا لي من صرف هذا الزمان (٤) |
أسعداني وأيقنا أن نحسا |
|
سوف يلقاكما فتفترقان |
ولعمري لو ذقتما حرق (٥) الفر |
|
قة أبكاكما الذي أبكاني |
فقال هارون : عز والله علي أن أكون أنا نحسهما ، ولو علمت بهذا الكتاب ما قطعتها ولو تلفت نفسي.
لما حضر هارون الرشيد الوفاة جاءت إحدى جواريه إليه تبكي عند رأسه ، فرفع رأسه إليها ، وأنشأ يقول :
باكيتي من جزع أقصري |
|
قد غلق الرهن بما فيه |
لما حضرت الرشيد الوفاة كان ربما غشي عليه فيفتح عينيه ، فيغشى عليه ، ثم نظر إلى الربيع واقفا على رأسه فقال : يا ربيع.
أحين دنا ما كنت أرجو دنوّه |
|
رمتني عيون الناس من كلّ جانب |
فأصبحت مرحوما وكنت محسّدا |
|
فصبرا على مكروه مرّ العواقب |
سأبكي على الوصل الذي كان بيننا |
|
وأندب أيام السرور الذواهب |
وأعتقل الأيام بالصبر والعزا |
|
عليك وإن جانبت غير مجانب |
__________________
(١) في مروج الذهب : تنادي.
(٢) الجمار : شحم النخل.
(٣) الخبر والبيتان الأول والثاني في الأغاني ١٣ / ٣٣٢ ، والأبيات من عدة أبيات في الأغاني ١٣ / ٢٧٣ ونسب الشعر أبو الفرج لمطيع بن إياس الكناني.
(٤) الأغاني :
وارثيا لي من ريب هذا الزمان
(٥) الأغاني : ألم.